الطليعة الشحرية
(1)
وقفت مع العابدين، جلدوني
وقفت مع المجاهدين، صفعوني
وقفت مع المصلين، دفعوني
وقفت وحيدًا فسقطت مني نفسي...
وقفت خاويًا أنظر حولي
نادى منادٍ: تعال، خَلِّ كل شيء وتعال......
(2)
ريحٌ صرصر، فَيْفَاء صفراء حارقة لاهبة لا شجر لا حجر غير دكة، نفضت الرمل جلست على الدكة، لُسعت وقفت، رفعت البصر مطلعًا متسائلا وكسرته ريحٌ سلامها حار حارق.
حملق هائمٌ مندهشًا افترت شفتاه، تغضن جبهته زفر متململًا،،،،
- "فارغٌ وخاوٍ آخر، لا نهاية لكم"
أحداقٌ ضاقت، نفث بضيق، تخصر برفعة وردّ ساخرًا،،،،
- "هائمٌ جديد، متملق آخر"
قهقه متهكمًا: "أيها الأحمق مكانك هناك"، وأشار إلى الدكة.
(3)
الانتظار قطعٌ من جهنم
استفق، أنت على دكة العبيد
أتعلم توفي ظلك منذ لحظات
سحقًا، فلت ظلي من القصاص،
وهل يقتص السراب من الظلال؟
وكيف يموت ظلي وأنا حيّ،
أصبحت أكثر شفافية،
لقد نسيت، تسربت نفسك أثناء سقوطك هنا
حدق الهائم في أولئك القابعين على " دكة العبيد"
جسدٌ شفافٌ فارغ، نفسٌ متراخية متكاسلة، ظلٌ متمردٌ شارد.
(4)
* استفق أيها الجسد الشفاف،
* ألا تعبث الأسئلة بعقلك لما أنت هنا؟
* ألا يثير فضولك هذه الفيافي الواسعة بلا فيّ؟
* ألم يشتعل رأسك من الواهب الحارقة؟ ألا يرهقك سمومٌ ساخطة تسوم حسومك؟
رمش فجاءه وامتعض، حقًا لم أنا هنا ولا أحد معي غير نفسي وظليّ ووجهك الدميم أيها الهائم؟
يحق لك أن لا تتعرف إلى وجهي الدميم اليوم، بالأمس كنت يمامةً تقر في مستنقع قرارك.
كنت أغرق في كل يومٍ بمقدار أنملة فانكمشت وتجعدت وغرقت بعمق شبر ثم تطور الأمر فصار سقوطاً بطول باع.
(5)
بعد الغرق انقسمت إلى ثلاثة أقسام، جسدي ونفسي بصحبة ظليّ، هل حان الوقت للانتهاء من هذه العلاقة الثلاثية، أم أن الروح تمقت محتواها فتسع إلى الطوفان بعيدًا.
عند ذلك أدركت أن أحدهم توفي لا هو أنت ولا هو أنا ولا هو صاحبنا.
هز الهائم رأسه بتفهم،،،
- "الآن فهمت لم أنت على مقاعد دكة العبيد، أنانيتك مستفحلة وغضبك مستحكم وغباؤك متحكم، أنت أهبل بجدارة".
وقف الثلاثة بغضب واشتط الظل بشدة وصرخ
- "لست أهبل أنا ظل أتبع الجسد الضال أينما حل وارتحل"
زفرت النفس وأجابت بعقلانية
- "وأنا مخلوقٌ شفاف لا حول لي ولا قوة لي رغبات واحتياجات أطمح لتحقيقها ولكن حقيقة الأمر أن من يقود الدفة والأمر والنهي هو هذا وأشارت باتجاه "الأنا".
رفع الأنا حاجبيه مستنكرًا
- "عجبًا، هل أجبرت أحدكم على اتباعي"
نقزت النفس ووقفت خلف "الأنا"، ثم سحب الظلّ خلفه ثم هتف
- "أترى هكذا نحن دومًا خلفك"
نفت "الأنا" التُهم بهزة من الرأس، وأجابت بسخرية
* "التابع يظل تابعًا، من أراد التحرر ينفصل عن التبعية".
(6)
تعالت ضحكات الهائم، ثم أشار إلى الدكة وقال:
- "اجلسوا هنا سأحكي لكم قصة، قيل فيما مضى إن زرافة عقدت صداقة مع فيل وصاحبا فأرًا، تسلل الزمن عابرًا بينهم لم يشعروا به ولم يشعر بوجودهم، استفاقت الزرافة بعد سبات ورأت فأرًا ضالا فاندهشت، داست على طرف ذيل الفأر فر الفزع ومن قلب الفأر وقضم قدم الفيل الذي اشتدَّ غضبه وركل الفأر بقوة فقئت عين الزرافة...."
- "قف...." ما هذه الحماقة صرخ الثلاثة .
ساد الصمت واشتد لهيب الشمس ونفخت الريح الهائم فوقع أرضًا، تحول الهائم إلى مرآة ضخمة، تهاوى الثلاثة على دكة العبيد.
"الأنا" غدت زرافة والنفس فيلا ضخما والظل فأرا ضالا، تأملوا المرآة طويلا إلى أن تحولت المرآة إلى رمالٍ ذهبية حملتها الريحُ بعيدًا. وعاد الثلاثة إلى هيئتهم الأولى واتحدوا جميعهم في ماهية واحدة وهي أنا.