ماجد المرهون
مفهوم التسامح كالزرع الطيب الذي يخرج شطأه بعد حين وليس على الفور فيطبقه مجتمع ما بعد نبذ الكبر ودخائله لتظهر نتائجه على المدى الطويل وحسناته طورا بعد طور، وهو فكر تراكمي يستوطن في ظلال الائتلاف ويغادر في حرور الاختلاف كما فعلت العرب عند ظهور الإسلام وينعدم في حضور الكبر، فالإنسان هو صانع المفاهيم الكلية للوجودية المطلقة والماهية وهو القادر على التحليل العقلي بين حاجته للشيء والأثر المترتب عليه.
والمتابع للأحداث ذات الصلة بالمناسبات وبلا مناسبة عند الغربيين قد يلاحظ بجلاء تضخم النرجسية الرهيبة التي يعيشونها وحب الذات اللامبالي بتحطيم مشاعر الغير نظير بقائهم في اختيال العظمة، وهو شعور يتحول مع مرور الوقت إلى حالة من الفصام يعيش معها المصاب ضلالات وأوهامًا رخوةً يصدقها إلى درجة اليقين، ويحاول أن يختلق لها المبررات مع تصلب قابلية التمييز بين الحق والباطل؛ وإن أفعال الحقد على الإسلام التي تطالعنا بين الحين والآخر ماهي إلا شعور نقص داخلي لديهم يتحدى نجاح النموذج الإسلامي منذ بدايته الأولى واستمراره على نفس الوتيرة وتمدده دون تراجع فيسيء بالتالي إلى نموذجهم الذي أفشلوه بأنفسهم وكيفوه لخدمة أهوائهم كما قالت المؤلفة الإنجليزية كارن أرمسترونج في مؤلفاتها حول مقارنة الأديان.
لم أجد جوابًا حقيقيًا حول استمرار الغرب في تعمد مواصلة إظهار العداء للمسلمين ومعتقداتهم دون غيرهم وحماية المُعادِين أمنيًا وقانونيًا سوى تعليقات تنافي المنطق بأنها أعمال فردية من البعض كما يقال في عقب الأحداث التي يستنكرها العقلاء والفطرة السليمة، ولوحظ أن أغلبها تصدر عن اليمين المتطرف لديهم. إذن هناك شأن خفي ومحرك صامت يعمل على استمرارية هذه التصرفات ويهدف لإبقائها نشطة على الدوام؛ فهل للسياسة دور في ذلك؟!
يبدو هكذا، وقد تتزامن أحيانًا مع مراحل الإعداد للحملات الانتخابية فيتنافسها المتنافسون بإظهار أكبر قدر من العداء للإسلام والمسلمين من خلال تلونات حربائية ساعية لنيل مكاسب فردية كوسيلة استمالة توقع مواطنيهم في وهم العامة وبأنهم يسعون لمصالحهم وحمايتهم، والحقيقة أنهم لا يسعون لها بقدر مساعيهم لنيل الريادة والقيادة والشهرة وإن تطلب الأمر التماس النفاق قليلا أو كثيرا وقلب الحقائق فلا ضير، ولا مانع من تنحية الأخلاقيات جانبًا لبعض الوقت حتى تنقضي مرحلة الانتخابات المشحونة بالمشاعر الوطنية، والأمر لا يعدو كونه نوعًا من أنواع التسويق الشخصي والاستجداء العاطفي لأصوات الناخبين من خلال اللعب على وتر الكراهية، ثم سوقهم إلى صناديق الاقتراع. هذه الأصوات التي غرر بها لمعاداتنا منذ عقود من خلال الحرص الغربي الدؤوب مع أحقاد قديمة ربطت فنيًا بالإرهاب كان بإمكان إعلامهم تصحيح مفاهيمها، لكن ما جرى عكس ذلك وساهم في عرض صورة قاتمة عن الإسلام ومعتنقيه حتى أوصلتها إلى مرحلة العقيدة ثم اليقين وهي تجهل كثيرًا مما يدور خارج فقاعة معيشتهم ورفاهيتهم.
عندما يتحول الشك إلى منهجية مع مرور الوقت، فإنه يصبح شكلًا من أشكال العقيدة حتى ينتهي به المآل إلى الحتمية ونوع من اليقين، كما بدأ التشكيك الغربي في توجهات الكنيسة حين تغولت وسيطرت على مقدرات الناس ومعائشهم وتحكمت بمسار العلوم وأبحاث علماء الفلك والطبيعة ما أفرز ضرورة تأويل النص الديني وتعديله بما يتناسب مع مقتضى الضرورة فيما يسمى بعصر التنوير؛ لذلك تراجع دور رجال الدين وإضمحل تيارهم وطغت موجات القوانين المدنية الحديثة لتتجاوزهم إلى المقدمة والتي لا تخلو من الأهواء والرغبات حتى حلَّ اليوم الشك المنهجي محل الشك المذهبي، وهو ما يحاولون فعله في سياق ما يُسمى بسياسة التجديد الإسلامي ومواصلة معاداة المسلمين ومقدساتهم في سياق مضاد.
تدفع العصبية ضد الإسلام التي تجد لها مسوغًا قانونيًا لدى بعض الغربيين للتعالي والكبر؛ حيث يعلمون أن السلطة التي هي أقوى منهم لن تقدر على منعهم ومساءلتهم؛ بل ستحميهم كذلك وبموجب القانون، حتى اتَّخذَ معاداة الإسلام والمسلمين ومعتقداتهم شكلًا نمطيًا يعتمد عليه الساسة في نيل مآربهم من خلال تضليل متعمد لمجتمعاتهم وربما الكذب أحيانًا، ويعطون أنفسهم الحق في إلقاء الأحكام من منظور ضيق لا يبالي بردود الأفعال الخارجية التي لن تتجاوز الاستنكار.
"الإسلام يعيش أزمة".. هكذا قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقالت مارين لوبان المرشحة للرئاسة الفرنسية: "يريدون فرض قواعد وأساليب علينا ليست لنا". ولم يبتعد المهزوم في الانتخابات التشريعية إيريك زمور عن منهج طغمته وأثخن لسانه في الإصابة من مسلمي بلاده أكثر من غيره، وهكذا هو حالهم في التأكيد المتكرر والمتشابه على تبرير الوسيلة بالغاية.
لماذا تسمح السويد بهذه الأفعال المشينة والمعادية للثقافات والمعتقدات الإنسانية وهي المملكة التي تمخضت عن صراعات حقوقية عميقة كادت تودي بالبلاد؟! ولماذا تريد بعد تلك التجربة العميقة قبول ما مورس على شعبها منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية التي لم تشارك فيها وكانت دولة سلام؟!
مواقف حكمة جليلة ظهرت بها مملكة السويد خلال تاريخها وأهمها بالنسبة لنا هو اعترافها رسميًا بدولة فلسطين، فما الذي يجبرها على الوقوع في مستنقع المعاداة هذا، والسماح لليمينيين المتطرفين بإشهار حرق القرآن الكريم وتمزيق صفحاته والتضحية بانقلاب مشاعر مليار ونصف المليار مسلم ضدها، بعد أن كانوا معها أو على الأقل ليسوا مناوئين لها، وكيف تسمح لجرثومة حقيرة بالقيام بفعل يؤلب عليها كل الشعوب المسلمة وبعض الحكومات؟! لا شك أنه المحرك الذي لم يعد صامتا والشأن الذي لم يعد خفيًا.
إنَّ السياسيين يخلون طرفهم في كل حادثة بالإشارة إلى القوانين مع عبارات أسفّ شخصي بارد، بينما هم جزء من الحل ولكنهم لا يتحملون هذه المسؤولية ولذلك هم سياسيون.