تسوية النزاعات الهندسية في العقد الموحد

 

أنور بن خميس العريمي

alaraimianwar@gmail.com

 

لا يخلو عقد تجاري مدني أو إداري من أي نزاعات بعد إبرام العقد وخلال تنفيذه نتيجة أسباب كثيرة مختلفة، وذلك بحسب نوعية العقد وطبيعة المشروع، ويتميز كل نوع عن الآخر بمعاملات تعاقدية خاصة، من أجل ذلك وجدت العقود الموحدة المتنوعة وأيضًا لتنظيم أعمال المشاريع الهندسية منذ بداية التنفيذ وحتى إتمام الأعمال. لذا تضمنت تلك العقود شروطًا تنظيمية لعملية تسوية النزاعات والخلافات التي قد تنشأ بين أطراف العقد بشأن بنود.

اهتمت وزارة المالية في السلطنة وأخذت على عاتقها إصدار تلك العقود الموحدة لمختلف الأشغال والخدمات العامة بهدف دعم مؤسسات الدولة كالوزارات والهيئات الحكومية لإدارة عقودها بطريقة مهنية وذلك بإلزام المتعاقدين معها بالتقيد بشروطها الاستثنائية لضمان تنفيذ وتسيير المنشآت والمرافق العامة على أكمل وجه.

فأصدرت العقد الموحد لإنشاء المباني والأعمال المدنية (الطبعة الثالثة): النسخة الإنجليزية يوليو 1981 الذي تم ترجمته لاحقًا إلى اللغة العربية (الطبعة الرابعة) سبتمبر لسنة 1999 مع بعض التعديلات في بعض المواد؛ حيث تم النص على آلية تسوية الخلافات بين المتعاقدين وفقًا للمادة (67) (تسوية الخلافات والتحكيم) والتي اشترطت التدرج في فض النزاعات قبل اللجوء إلى التحكيم أو القضاء من خلال تقديم طلب من أي الطرفين بشأن نزاع متعلق بالعقد أيًا كان نوعه إلى المهندس، وأن يكون الطلب استنادًا للمادة (67) للفصل فيه، وأن يكون كذلك إصدار القرار من المهندس إعمالًا للمادة نفسها خلال مدة (90) يومًا من تاريخ تقديم الطلب، ويصبح القرار نهائيًا وملزمًا للطرفين إذا لم يتقدم أحدهم باعتراض على القرار بطلب اللجوء للتحكيم خلال مدة (90) يومًا الثانية المستحقة للطرفين من تاريخ صدور قرار المهندس.

غير أن ذلك لا يمنع أي طرف من اللجوء إلى التحكيم بالرغم من وجود القرار النهائي والملزم، وذلك في حالة أن الطرف الذي صدر ضده القرار امتنع عن تنفيذه، وبالتالي للطرف الآخر الذي صدر القرار لصالحه أو رضي به أن يلجأ إلى التحكيم مطالبًا الهيئة التحكيمية بإلزام الطرف الممتنع بتنفيذ القرار، ومن وجهة نظري في هذه الحالة ينبغي على هيئة التحكيم تأييد القرار وعدم الالتفات عنه وأن تحكم به على أساس أنه اتفاق مسبق واجب التنفيذ، حيث إن ذلك لا ينطبق في حالة الرفض الضمني للمهندس أي بفوات (90) يومًا المستحقة له دون اتخاذ قرار حاسم في الموضوع الخلافي المحال إليه، بحسبان أن الرفض الضمني للموضوع لا يُعتبر بمثابة قرار حقيقي صريح يفصل في النزاع القائم بين الطرفين، وبالتالي يجب على الطرف المتقدم بالطلب في هذه الحالة أن يلجأ للتحكيم خلال مدة (90) يومًا الثانية المحددة للطرفين وإلا سقط اتفاق التحكيم بالتقادم بسقوط مدته، وبناءً عليه فإنَّ الخصم الآخر بالتأكيد سيدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالنظر في موضوع النزاع بسقوط اتفاق التحكيم بالتقادم إذا تم تعيينها من قبل المحكمة المختصة .

أما في حالة عدم الرضا من أحد الطرفين على قرار المهندس وتم الاعتراض بطلب التحكيم خلال فترة (90) يومًا الثانية، في هذه الحالة يعتبر قراره نهائيًا غير ملزم للأطراف، وبالتالي يحال النزاع مباشرةً إلى محكم مهني متفق عليه، وفي حال الخلاف على اختيار محكم يتولى رئيس المحكمة المختصة تعيين  المحكم بناءً على طلب أحد الطرفين، على أن يكون مهنيا متخصصا في الموضوع بحسب ما جاء في نص المادة (67) من العقد الموحد، ويكون حكمه نهائيًا حاسمًا للنزاع وملزمًا للأطراف .

لا يوجد ما يمنع في المادة السابقة ولا في شروط العقد عمومًا جلوس الأطراف على طاولة المفاوضات لحل النزاع وديًا قبل أو بعد عرض النزاع على المهندس، بل بالعكس يعتبر ذلك أمرًا محبذًا ومرغوبًا لحل النزاع قبل تفاقمه وقطع دابره قبل وصوله إلى القضاء أو التحكيم للتخفيف من هدر الوقت والخسائر المادية المتوقعة بسلوك تلك الطرق، وبالتأكيد تحديد طرق التسوية الودية في شروط العقد أفضل من ترك الأمور بدون تحديد، وذلك لضمان التزام الأطراف المتنازعة والتقيد بها قبل اللجوء مباشرةً للقضاء أو التحكيم .

وأما الحال في الاتفاقية الموحدة للخدمات الاستشارية لأعمال المباني والهندسة المدنية (الطبعة الثانية) النسخة العربية والإنجليزية التي تم إصدارها في مارس 1987، فلم تتطرق إلى فض النزاعات تدريجيًا؛ حيث تم النص على تسوية النزاعات في المادة (18) إذا نشأ نزاع أو خلاف بين الطرفين نتيجة بنود الاتفاقية يجب تسويته مباشرةً بواسطة محكم مهني يتم تعيينه باتفاق الأطراف أو عن طريق رئيس المحكمة المختصة في حالة عدم الاتفاق على التعيين، ويكون قرار المحكم نهائيًا وملزمًا للطرفين، حيث إنه ومن باب أولى أن يسعى الطرفان المتنازعان لحل النزاع بالطرق الودية قبل اللجوء إلى التحكيم أو القضاء حتى في عدم تحديد ذلك في شروط الاتفاقية .

لقد تم إصدار النسخة الحديثة للعقد الموحد لإنشاء المباني والأعمال الهندسية مايو 2019 (تحديث 1) متضمنة الشروط العامة باللغتين العربية والإنجليزية في النسخة نفسها، وتعد تطويرًا للنسخ السابقة لعقد المقاولات الإنشائية من ناحية تقليل عدد البنود الرئيسية وتفصيلًا للبنود الفرعية لكافة العناصر المتعلقة بالعقد وأطرافه. كما اشترطت أيضًا النسخة الحديثة أسلوب التدرج في تسوية النزاعات بموجب المادة (22) (المطالبات وتسوية النزاعات)، حيث أوجبت على المقاول رفع مطالبته التفصيلية إلى المهندس خلال مدة (28) يومًا من تاريخ تقديم الإخطار بنية المطالبة، على أنه إذا أخفق في تقديم التفاصيل المؤيدة لمطالبته في تلك الفترة المحددة لا يكون مستحقًا لها ويعفى صاحب العمل من مسؤوليتة تجاه تلك المطالبة .

أما إذا تم تقديمها في وقتها المحدد، فعلى المهندس إصدار قرار بالموافقة أو بعدم الموافقة خلال مدة لا تتجاوز (42) يومًا من تاريخ التقديم، وإلا اعتبر ذلك إخفاقًا منه ورفضًا ضمنيًا للموضوع، وبالتالي كما هو ملاحظ أنه لا يوجد أي نزاع إلى الآن بين الطرفين وإنما فقط مطالبة يراها المقاول أنها مستحقة له، حيث لم يصدر فيها قرار حاسم من قبل المهندس، إلا أنها تحولت إلى نزاع بعد الإخفاق في إصدار ذلك القرار خلال تلك المدة المحددة، وكما هو معلوم أن المطالبة لا تعتبر منازعة أو خلافا إلا إذا أصر صاحب العمل على موقفه بعدم قبولها وفي المقابل أيضًا المقاول أصر على موقفه باستحقاقه لها وبالتالي تتحول المطالبة إلى نزاع، ومن ثم عليهما حل النزاع بالطرق الودية خلال مدة (14) يومًا أو خلال أي مدة أخرى متفق عليها.

ولكن في الوقت نفسه وبموجب البند الفرعي (22-1-11) يجوز لأي طرف إحالة طلبه إلى القضاء أو التحكيم لتسوية النزاع حسب الآلية المحددة في الملحق (أ) لاتفاقية العقد خلال (30) يومًا من تاريخ انتهاء المدة المحددة للمهندس للبت في المطالبة، عَلى أن يخطر بذلك الطرف الآخر والمهندس. حيث يتبين مما تقدم أنه بإمكانية أي من الطرفين تجاوز التسوية الودية والذهاب مباشرةً إلى التحكيم أو القضاء لتسوية النزاع .

وفي حالة أن الطرفين لم يصدر عنهما أي اعتراض على قرار المهندس في المسألة محل النزاع خلال مدة (30) يومًا من تاريخ إصدار القرار أو من تاريخ انتهاء المدة المحددة للمهندس، عندئذٍ يصبح قرار المهندس نهائيًا وملزمًا يجب تنفيذه، على أنه إذا امتنع أحدهما عن التنفيذ، يحق للطرف الآخر إحالة الامتناع عن التنفيذ إلى القضاء أو التحكيم بحسب الآلية المقررة بين الطرفين في الملحق (أ) من اتفاقية العقد .

وكذلك هو الحال في حال عدم توصل الطرفين لحل النزاع وديًا في خلال (60) يومًا من تاريخ تقديم الاعتراض أو عدم المُوافقة على قرار المهندس، فيحق لأي من الطرفين إحالة موضوع النزاع إلى القضاء أو التحكيم حسب المحدد في الملحق (أ) من اتفاقية العقد. وعلى كل حال إذا لم يتم إحالة موضوع النزاع إلى الآلية المحددة في الملحق (أ) من اتفاقية العقد خلال المدة المذكورة، فيجب على الطرفين الامتثال لقرار المهندس النهائي والملزم .

** خبير هندسة مسح الكمیات ومحكم تجاري

تعليق عبر الفيس بوك