فرنسا العُظمى تتآكل في أفريقيا

 

علي بن مسعود المعشني

 ali95312606@gmail.com

 

"جمهورية مالي تُمهل فرنسا شهرا واحدا لسحب جميع قواتها من أرضها"، لم يكن أكثر الحالمين أو المتفائلين يحلم بسماع خبر كهذا ويُصدقه، بعد أن جرت العادة بأنَّ فرنسا "العُظمى" تُدير ما يقارب نصف العالم كمستعمرات لها في مختلف قارات العالم.

ولولا تشابك العالم اليوم وتحوله إلى قرية صغيرة في ثورة الاتصالات لقلنا إنَّ الخبر كاذب ومُضلل، أو الخبر هو عكسه؛ حيث لن يصدق عقل أن دولة بحجم مالي وقوتها ومكانتها تُهدد وتنفذ تهديدها تجاه دولة بحجم فرنسا.. فرنسا التي كانت تُدير مالي بقوة لا تتعدى كتيبة من كتائب الجيش الفرنسي وبالكثير سفير أو قنصل فرنسي، يُدير سياسات ومقدرات مالي وكما يشاء ويحلو له. ومالي ليست استثناءً؛ بل مثال لعدد كبير من مستعمرات فرنسا في أفريقيا والعالم.

من المعروف عن فرنسا هوسها بصبغ الشعوب المُحتلة من قبلها بالصبغة الفرنسية؛ حيث تحرص على تطبيق استراتيجية نشر ثقافتها ولغتها على الشعوب المحتلة بالقسر والإكراه؛ لتصبح تلك الشعوب تتنفس الهوى الفرنسي، وتطمس هويتها الأصلية لتشكل الفرنسة حبلها السري الذي يربطها بالمحتل وإلى الأبد، كقوة ناعمة عابرة للأجيال بعد خروج جحافل الجيوش من الميدان. وهذه الحالة التاريخية يصفها المُفكر الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان بمقولة ساخرة ومُرة؛ حيث يقول: "خرج الاستعمار من الحقول وبقي في العقول".

بعد نكبة فرنسا الكبرى في مستعمرتها القديمة رواندا، والتي أمر رئيسها بول كاغامي باستبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية؛ كون اللغة الفرنسية لغة ثانوية اليوم على الصعيد العالمي؛ الأمر الذي عزز من الاقتصاد الرواندي كثيرًا. وتعد فرنسا قرار الرئيس كاغامي بمثابة الإسفين الأول في نعش الثقافة واللغة الفرنسية بقارة أفريقيا؛ حيث قلّب هذا القرار المواجع على فرنسا، وأعاد نظرة العالم إلى اللغة الفرنسية وجدواها في ظل التراجع التدريجي للناطقين بها حول العالم، واكتشافهم للغات حيوية وحية أخرى تربطهم بركب التقدم والتواصل مع العالم وعلى رأسها اللغة الإنجليزية.

تتحول فرنسا اليوم وببطء- ولكنه ملحوظ- إلى دولة قزمية نتيجة فقدها لمكانتها وحظوتها وتأثيرها التدريجي في قارة أفريقيا، وهذا يعني فقدها لأهم عوامل بقائها وهي الثروات الطبيعية المنهوبة من هذه المستعمرات، والتي كبلتها نظير منحها الاستقلال باتفاقيات ومعاهدات إذعان عابرة للأجيال، تسمح لفرنسا باستغلال ثروات هذه البلدان من النفط والغاز والذهب والألماس والبلاتين والنحاس والكوبالت واليورانيوم وغيرها من المعادن، إضافة إلى إجبار هذه الدول على إيداع مدخراتها بالعملة الفرنسية في البنك المركزي الفرنسي لتعزيز السيولة وخدمة العملة الفرنسية والاقتصاد الفرنسي. ومن مفارقات القدر أن تحتل فرنسا المرتبة الثالثة عالميًا في احتياطي الذهب وهي لا تستخرج جراما واحدا منه من أراضيها؛ بل من أراضي مستعمراتها السابقة بأفريقيا، وأن تعيش بلدان مثل مالي والنيجر وتشاد في ظلمات وتخلف وانعدام خدمة الكهرباء، بينما تُضاء فرنسا وتنعم بتلك الطاقة لعقود بفضل اليورانيوم المسروق بالإذعان من تلك البلاد الفقيرة ظاهريًا والغنية جدًا بثرواتها الطبيعية مع وقف التنفيذ من فرنسا.

قبل اللقاء.. يقول علماء اللسانيات العامة، إن جميع اللغات في العالم محكومة بالانقراض والفناء عدا ثلاث لغات، وهي: اللغة الإنجليزية بحكم التكنولوجيا، واللغة الصينية بحكم الديموغرافيا (السكان)، واللغة العربية بحكم الأيديولوجيا (لا توجد لغة عبادة في العالم بخلاف اللغة العربية).

وبالشكر تدوم النعم..