جرعة "طِيبة" كروية زائدة

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

نحن شعب طيّب، طيّب إلى حد بعيد، طيبون كنسمة هواء عليل، أو قُل كماء يتدفق طيبة، يشهد لنا الأقربون والأبعدون، ولذلك لا يخشانا وافد، ولا ناقد، ولا حاقد، فنحن بطبيعتنا مسالمون حد الاستسلام، وطيبون حد التنازل عن حقوقنا، تشهد لنا ملاعب العراق، وغيرها، ويتخذ اتحاد كرة القدم العماني و"الجهات المختصة" قراره عوضًا عنَّا، وكأنه تنازل عن حق شخصي، لا حق وطني، ويُصادر بقراره الصادم إرادة جماهير الكرة، بالحضور لمؤازرة منتخبهم "الوطني"، ليس لسبب واضح، ولكن لأنه "يُريد أن تنجح البطولة"، ويُريد أن يهدي الفوز للمنتخب المنافس، كي تكتمل الفرحة، وتزيد البهجة، ويقطف البلد المستضيف ثمار صبره، وجهده، على حساب منتخبنا "الوطني"!

ولأننا طيبون فلا مشكلة إن هاجت جماهيرنا وماجت، ولا مبالاة إن "تغربل" المشجعون، ولا اكتراث إن هُضمت حقوق المنتخب، وسُلبت مقاعده القانونية المتاحة له، وتنازل عنها الاتحاد العُماني لصالح الفريق المنافس، دون أي ردة فعلٍ تجاه ما تكبده العمانيون الذين حضروا للبصرة، وعانوا من وعورة الطريق، ومشقة السفر، وقطعوا آلاف الكيلومترات لتقديم واجبهم الوطني في تشجيع منتخب بلادهم الذي يمثل جزءًا من هوّيتهم، أو أولئك الذين تكدسوا في مطار مسقط، وأتوا من كل حدب وصوب لنيل شرف حضور المباراة الختامية، كل ذلك ليس محل نقاش، وتقدير من قبل الاتحاد، لأنه أراد إنجاح البطولة، ولو على حساب شخصيته الاعتبارية، وحقه القانوني، ومصادرة حق منتخب بلاده.

ولأننا نقطر طيبة، ونقاءً، وكرمًا، فإنَّنا نقبل أن ننافس فريقًا، ونتمنى أن يفوز علينا، وأن نكون مغلوبين، لأنَّ الأخوّة العربية تحتم علينا التنازل عن طموحاتنا حتى في تصريحات بعض مسؤولينا الرياضيين، ولا نأبه للروح الانهزامية التي نضخّها في فريقنا الوطني، ولا نتساءل إن كان ما نفعله مجرد عاطفة في غير محلها، أو هي طيبة في غير مكانها، أو تخاذل في غير موضعه، ولا نلتفت إلى تلك الجماهير التي تنتظر الفوز، ولا نعارض إن ظَلَمنا الحكم، ولا نحتج إن سُلبت حقوقنا، ووزّعت مقاعد مشجعينا على مشجعي الفريق المنافس، ولا تأخذنا الحميّة إن شاهدنا جماهيرنا الوفية وهي تفترش الأرض لتشاهد مباراة دفعت ثمن تذاكرها مقدمًا، ولكنها عوملت دون تقدير، وفُرض عليهم الأمر الواقع دون اكتراث لردة فعل حازمة وحاسمة من مسؤولي الاتحاد، أو حتى تسجيل موقف علني أو "قلبي" للاحتجاج القانوني ضد تلك الإجراءات التي لا تقرها أعراف الرياضة، ولا أصالة الضيافة، واعتمدت على تنازلات العمانيين، وطيبة معدنهم، غير أن الطيبة حين لا تكون في محلها، يستغلها الآخرون، وحينها تأخذ معنى آخر لا يجب أن نقبل به.

في كل الأحول، ولأن بطولة "خليجي 25" انتهت، فلا نملك غير مباركة فوز منتخب العراق الشقيق، ونبارك للمنتخب العماني ذلك الأداء الأسطوري الذي ظهر عليه، رغم كل الظروف المُحبطة، ورغم تنازل اتحاد الكرة عن "حقوقهم"، ليُظهر للآخرين وجه الشخصية العُمانية الطيّبة، والكريمة، والمتسامحة، ولو كان ذلك بالتنازل عن حقوقهم، ويكفي أن يشهد تاريخ كرة القدم أن مباراةً "نهائيةً" في كأس الخليج لُعبت، بـ"طيبة" مبالغ فيها، وتنازلاتٍ "سخيّة" قدّمها أحد طرفي المباراة الختامية للفريق المنافس، ولا عزاء للجماهير، ولا للكرة العمانية.