فايزة سويلم الكلبانية
سنحت لي الفرصة خلال السنوات الماضية، لزيارة العديد من العواصم والمدن، ومنها ما يقع في أوروبا أو آسيا أو في دولنا العربية، وكُلما حللتُ في واحدة من هذه المُدن، حتمًا ولابُد لي أن أجدَ ما يُطلق عليه "وسط المدينة" أو بالإنجليزية "داون تاون"، وهو مصطلح يعني نقطة تمركز العديد من الخدمات الترفيهية والتجارية ومقرات الشركات، وعندما أنظر إلى الواقع في عاصمة سلطنتنا الحبيبة، مسقط، أجد أنَّ ما كان يُعرف بـ"وسط المدينة" أو مركزها، قد تفرَّق في أنحاءٍ عدة، فلم تعد منطقة روي ولا مطرح- بتاريخهما العريق- مركزًا لمسقط، كما لم تصل منطقة القرم أو الخوير أو الغبرة لنفس المكانة، الأمر الذي يضعنا أمام تساؤل مهم: أين مركز العاصمة أو "الداون تاون"؟
ثمَّة حقيقة لا يُمكن إغفالها وهي أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية لمحافظة مسقط وُضعت بهدف رسم إطار مكاني شامل لإدارة وتنظيم وتوجيه التنمية الحضرية والريفية المستدامة عالية الجودة، فضلًا عن المساهمة في توفير حوافز الازدهار الاجتماعي والاقتصادي وصون وتحسين البيئة للأجيال القادمة.
لكن في المُقابل، أين المنطقة المركزية التي تمثل القلب النابض لمسقط وهي واحدة من أجمل العواصم في العالم العربي وآسيا؟ أين "الداون تاون" الخاص بنا الذي من خلاله يمكن أن يتحول إلى مزارٍ سياحي أو ثقافي، ومركزًا للأعمال؟ قد يقول قائل إنَّ منطقة الغبرة باتت تقوم بهذه المهمة إلى جانب منطقة الخوير القريبة منها، وهو ربما طرح يستند على مُعطيات، لكنها معطيات غير مكتملة، فلك أن تتخيل أنه نظرًا لصغر حجم الشوارع الداخلية بين الخوير والغبرة، قد تستغرق المسافة بالسيارة بينهما حوالي 20 دقيقة على الأقل في وقت الذروة؛ حيث ازدحام مروري خانق في فترات الصباح والظهيرة والمساء، ما يعني انعدام الانسيابية المرورية، والتي تمثل العائق الأول لاعتبار هذه المنطقة "مركز المدينة"، وقس على ذلك مناطق مثل القرم التي انحصر النشاط التجاري ومقرات الشركات فيها على نقاط بعينها.
ولذلك أرى حاجة مُلحة وضرورية للتفكير في تطوير منطقة محورية في مسقط لتكون "الداون تاون"، وأقترح في هذا السياق شارع 18 نوفمبر، الذي يمتد بمحاذاة ساحل مسقط وكذلك شارع السلطان قابوس (الشارع العام)، ليُمثل مسارًا مركزيًا مُفعمًا بالحيوية، في منطقة سكنية وتجارية راقية تبدأ من الغبرة ثم العذيبة والأندية الخاصة الفخمة هناك، إلى جانب عدد كبير من الفلل الراقية والقصور ذات المظهر الحضاري وعلى رأسها قصر شهير يمتد لمسافة غير قصيرة يمزج في معماره بين الطراز الإسلامي والفن المُعاصر؛ لتنتهي هذه المنطقة عند تقاطع شارع الموج؛ حيث أفخم مشروع عقاري سكني تجاري في مسقط. هذا الشارع في حالة تطويره وتحويله إلى نقطة جذب سياحي وترفيهي، يمكن أن يماثل أجمل الشوارع في عواصم العالم، مثل الشانزليزيه في باريس، وقصر النيل في القاهرة، وميدان التايمز (تايمز سكوير) في منهاتن بولاية نيويورك، وشارع "فيا ديل كورسو" في قلب روما التاريخية، وشارع الاستقلال في إسطنبول، وغيرها الكثير.
ولا شك أنَّ إعادة تخطيط الشارع من الاتجاهين، والاستفادة من المساحات غير المستغلة على جانبي الطريق، من شأنه أن يُضفي رونقًا وجمالًا على جمال هذا الشارع، فمن منّا حين يريد التجول بسيارته ليلًا أو عند سقوط الأمطار، لا يذهب إلى شارع 18 نوفمبر؟ ومن منّا لم يجلس في أكبر فروع علامة القهوة العالمية "ستاربكس" حتى وقت متأخر من الليل أو في ساعة مبكرة من الصباح، كي ينعم بالأجواء الخلّابة في هذه المنطقة المتاخمة لبحر عمان بأمواجه التي تداعب الشواطئ بنشر رذاذها وهوائها العليل في أنحائها؟!
يحدوني أمل كبير في الجهات المعنية، وعلى رأسها بلدية مسقط، أن تبدأ دون تأخير في تطوير هذا الشارع، لما يمثله من أهمية سياحية كبيرة في العاصمة، بعيدًا عن رتابة المراكز التجارية التي ملَّ منها السائح والزائر، أو ازدحام الشوارع الأخرى..
فهل نجدُ استجابة من المسؤولين ومهندسي التخطيط في البلدية لتطوير شارع 18 نوفمبر وتحويله إلى أيقونة سياحية ومعمارية وتخطيطية تسمح للسائحين بالتجول دون عوائق سيرًا على الأقدام أو بـ"الاسكوتر" أو حتى بالسيارات، لنحقق قيمة مضافة للقطاع السياحي في عاصمتنا العامرة مسقط؟! أتمنى.