حياة جديدة.. وزمن جديد

 

خليفة بن عبيد المشايخي

 

قدَّر الله تعالى له أن يكون شيئًا من هذا الوجود وفي هذا الوجود، فهو كغيره من سائر البشر بعد سن التكليف جرى عليه القلم، وأصبح مؤاخذًا بما يأتي به من قول وفعل وعمل، وبات كل صغير وكبير مدون في صحيفته ويتنامى مع الأيام.

والله عز وجل يقول: "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيد"، فإذا كان حال الأقوال والحروف والكلمات التي ننطق ونتفوه بها ونكتبها، تُكتَب وتُسجَّل علينا في صحيفتنا ونُحاسب عليها في الدنيا والآخرة وهي أكثر بآلاف المرات من الأفعال، فكيف بأفعالنا، فهي من باب أولى مدونة ومحفوظة في اللوح المحفوظ.

ينشأُ على هذه البسيطة تارة مع نفسه وتارة أخرى مع جماعة؛ إذ الإنسان لابُد له من مكون ومكان ومحيط يحتويه يضمه ويعيش معه وفيه، فجميعنا بعد ولادتنا، اعتنى بنا ناس سواء والدينا أو غيرهم، فكبرنا معهم وبينهم، وصرنا في دنيانا هذه جزءا منهم، ومن هذا العالم المترامي الأطراف، نريد هذا ولا نريد ذاك، ونرغب بذاك ولا نحبذ ذا، فأصبحت لنا رغبات ومحبوبات ومكروهات وطموحات وأهداف وغايات، إلى آخر هذا الكلام.

وكلما مضى يوم من أعمارنا في غير طاعة الله عزوجل، أصبحنا عبئًا على الأمة، وأصبحنا وبالا وعذابا وهلاكا على عباد الله تعالى في أرضه، خاصة أؤلئك المصلحين، يحدث منا ذلك دون أن نشعر، فالسيئات يذهبن بالحسنات.

والله جل جلاله يبين في هذه الآية التالية حال المجرمين فقال "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"، صدق الله العظيم.

وهذا الحال والمآل لن يكون حال المجرمين فقط؛ بل حالنا جميعًا.

وعليه حينما لملمت السنة الماضية أشياءها ورحلت بحلوها ومرها، معنى ذلك أن مرحلة من أعمارنا ذهبت، وأننا صرنا نقترب من النهاية الفعلية لنا في هذا الكون الفسيح، لنكون بعد ذلك تحت الأرض وليس فوقها كما نحن اليوم.

حقيقة جميعنا تقع علينا مسؤولية عدم جلب الأوزار والآثام والمشاكل والضيق لغيرنا من الناس، فمثلا الوالدين إن لم يكونا على صلاح وتقوى وطاعة لله عزوجل، فسينعكس ذلك على أولادهم ومن هم في حوزتهم ونطاق مسؤوليتهم، وقس على ذلك الآخرين.

وقال أحد علماء الدين وكلامه صحيح إن الله جل جلاله، يغير ما بالناس إذا غيروا، فإذا كانوا على طاعة واستقامة ثم غيروا إلى المعاصي، غيرَّ الله حالهم من الطمأنينة والسعادة واليسر والرخاء، إلى غير ذلك من الأحوال السيئة، وقد يملي لهم سبحانه ويتركهم على حالهم استدراجًا، ثم يأخذهم على حين غرة وغفلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله تعالى قال: "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ".

وقال سبحانه: "فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ".

ولهذا فإنه من الأهمية بمكان مع بداية هذا العام الجديد، أن نتوقف جميعنا برهة مع أنفسنا، ونحاسبها قبل أن تحاسب، فالمشكلة تكمن ليس في أيام الله جل جلاله، بل في من شرفهم جل جلاله بأن يكونوا من أصل تلك الأيام، ومن أسباب وجودها ونشأتها، وهم نحن البشر الذين أصبحنا بأقوالنا وأفعالنا السيئة وغير المسؤولة، معول هدم، ومحاضر شر وليست خيرًا "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ".

إن العام المنصرم ذهب بدون رجعة، وكتب لنا أن نعيش حتى اللحظة الذي أتى بعده من وقت وزمن، فما الذي أعددناه للضعفاء والمساكين والفقراء والأرامل والأيتام والمستضعفين في أرضنا من أبناء هذا الوطن الأبي.

إننا في مستهل هذا العام الجديد، نسأل الله أن يرزق المحتاجين والفقراء ما يسد عوزهم، ويكفيهم مذلة السؤال، ويجلب لهم الخير في هذا الوطن المعطاء.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       

 

تعليق عبر الفيس بوك