الأكثر إشراقًا من شمس الضحى!

 

حمد بن سالم العلوي

ألف شكر وشكر لمجلس الشورى العُماني، فنقولها وبكل فخر واعتزاز، فلو لم يكن في تاريخ انعقاد هذا المجلس إنجاز واحد، وذلك عبر تاريخه المُمتد من عام 1981 وإلى اليوم، إلا مشروع تغليظ المقاطعة ضد إسرائيل، لكفاه فخرًا، ولرفع عنه عتب كل العُمانيين، وحتى يقول المجلس النابض بالمشاعر العُمانية، إنَّ مشروع تغليظ المقاطعة ضد الكيان الصهيوني الظالم لم يُنس أبدًا، ولقد أجمع العُمانيون على التأييد والترحيب، والتأكيد على سلامة هذا النهج القويم للمجلس، وقد اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي مُرحبة وداعمة للمشروع بكل قوة وإصرار عليه، خاصة وأنَّه يأتي على ضوء اللقاء السامي من لدن جلالة السلطان هيثم المُعظم- حفظه الله ورعاه- برئيس وأعضاء مكتب المجلس.

ولا أعلم بالضبط من بادر بطلب اللقاء مع جلالته- أعزَّه الله- ولكنني أظن أنَّ المبادرة أتت من لدن جلالة السلطان المفدى، بدليل أنَّه التقى أولًا برئيس وأعضاء مكتب مجلس الدولة، ثم برئيس وأعضاء مجلس الشورى، فهذا التسلسل البروتوكولي يُوحي بأنَّ المبادرة كان مصدرها القصر السلطاني العامر، وقد أشير في اللقاء إلى أنّ "لا" ولاية على المجلسين، إلا ولاية القانون الخاص بهما ومجلس عُمان بصفة عامة، لذلك لم يتردد أعضاء مجلس الشورى في ممارسة حقهم التشريعي، بدافع ودعم من الشعب العُماني الأصيل، ومباركة من قمة هرم السلطة العُماني، وحتى وإن لم تكن لفظية، فكما يُقال اللَّبيب بالإشارة يفهم، واللَّبابة العُمانية لا غبار عليها.

وقد كتب الزملاء من الكتاب العُمانيين؛ وهم حسب تسلسل المقالات: خميس بن عبيد القطيطي، وزاهر بن حارث المحروقي، وعلي بن مسعود المعشني، مقالات رائعة مشيدة بهذا الإنجاز الوطني الكبير في حق عُمان وشعبها الأبيِّ، وسلطانها المبجل الأمين، وقد ذكروا كذلك الإشادة الصريحة من معالي السيد وزير الخارجية العُماني، والذي قال إن هذا المشروع يأتي مُلبيًا لتطلعات الشعب العُماني، وكذلك ذكروا إشادة سماحة العلامة بدر الدين الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، الذي لا تخفى مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، والحاضة على تخليص المسجد الأقصى المبارك من رجس الغزاة الغاصبين، وهذه مواقف ثابتة لعُمان وشعبها ومسؤوليها، ولا تحكمها المزاجية والمواقف الموسمية والعاطفية.

ولكن صدمتني مقالة وردت عبر الواتساب لكاتب عُماني (معروف) لم أقرأ له من قبل مقالة بمثل هذا الخذلان والتمييع لواقع الحال، ولو لم يضع على المقالة اسمه، لظننت أنها قد كتبها وسربها (نتنياهو الإسرائيلي أو أحد من زمرته) وقد أرسلت لهذا الكاتب استفسر منه، إن كان الموضوع هو كاتبه؛ فأكد على ذلك مع شديد الأسف، وقد عنون مقالته بالقول: "إنعاش قانون منسي" أي أنَّه يرى أن قانون المقاطعة، قانون منسي ويجب أن يظل كذلك، وكأنَّه حزَّ في نفسه أن يجدد فيه بالتشديد والتغليظ، وقال إن مجلس الشورى فاجأنا وشد عقولنا وقلوبنا لكي لا ننساه-أي "المجلس"- وبذلك قد صور أن المجلس كان هو الشيء المنسي، فأراد أن يذكرنا بوجوده من خلال مشروع تغليظ المقاطعة على الكيان الصهيوني، وأخذنا في مقالة طويلة عريضة، وكأنه يُريد أن يُمّيع من أهمية هذا المشروع، وتبسيط التعامل مع الصهاينة.

وقد أعتبر تأييد عُمان لمصر في اتفاقية "كامب ديفيد" بالموافقة على الاتفاقية، وكأن عُمان أيدت الاتفاقية، والتي فرّقت ولم تجمع العرب آنذاك، ولكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فعُمان أيدت مصر كدولة عربية شقيقة، وهي لا تريد التدخل في شأنها وقراراتها السيادية، وهي تفعل ذلك مع الجميع، وهي بالمثل ترفض تدخل الآخرين في شأنها، وسياسة عُمان ثابتة، وتقوم على عدم التدخل في قرارات الدول الأخرى تجاه الغير، بدليل أن عُمان لم تقم أية علاقات مع إسرائيل كما فعلت مصر، ولم تفعل ذلك إلا تشجيعًا لاتفاقية السلام التي وُقِّعت لاحقًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وذلك عندما سمحت بفتح مكتب للتمثيل التجاري في مسقط، وعندما أتضح لعُمان لاحقًا أن الصهاينة لا ينوون تطبيق ما تم الاتفاق عليه، تم إبعادهم من البلاد وقطعت العلاقة الرمزية، وسلم المكتب لسفارة دولة فلسطين في مسقط. وهنا نقول للكاتب المحترم، إن أنتم نسيتم.. فنحن لا ننسى أبدًا.

ونؤكد لكم أنّ قانون مقاطعة إسرائيل، لم يكن منسيًا حتى نتذكره اليوم، وقد كان هناك مكتباً في بداية الأمر لمتابعة تنفيذ المقاطعة الإسرائيلية، ولكن عندما ترسخت الفكرة في عقول الناس، وصار كل مواطن عُماني رقيباً على ذاته في المقاطعة، أُغلق ذلك المكتب إداريًا فقط، ولكن القانون ظل ساري المفعول، واليوم وعندما أصبح الصهاينة يقتربون إقليميًا، صار الواجب أن نحمي عُمان وشعبها من هذا السرطان الخبيث.

وقد أصبح من الضرورة بمكان، أن يُغلظ القانون.. ويوضح للكافة من الناس، وذلك بحيث يعرف الجميع حدود هذه المقاطعة، وأنواعها وأصنافها وأشكالها نتيجة التشعبات في أنماطها، حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، وأنا هنا لا أريد أن أنقد تلك المقالة من أولها إلى آخرها، وإن كانت تحاول أن تُوحي بضرورة السير مع القطيع، ولكننا نحن عبر التأريخ لسنا مع القطيع، بل نحن الأصل وغيرنا الصدى، ونحن الجبل الشامخ بالكبرياء وغيرنا الظل، هذا إن أستحق أن يكون ظلًا أصلًا.

إنَّ سلطنة عُمان يجب أن يعرفها القاصي والداني، أنها أعجوبة الله على الأرض، وذلك بسمتها وصدَّها للباطل، فهي المحور الذي لا يتغير حسب أهواء الآخرين، وهي المرجع والملجأ والأسوة والقدوة الحسنة، فذانك ديدنها منذ بداية الخليقة إلى اليوم والغد، وعُمان كانت دولة عظمى يوم كانت الأرض قاحلة، وتخلو الدُّنا من النفط والغاز، أنعجز اليوم ونحن ملء السمع والبصر، أن نستقيم على الحق وبالحق، وديننا مهدد، وأرض الإسلام مغتصبة، ومسرى رسول الله مُدنّس. ترى على ماذا نحن نغض الطرف؟! ونخفض الجناح؟ فهل استرددنا حقوقنا؟ وانتصرنا لإخواننا في أرض فلسطين؟ ألا نفعل شيئًا بقوة الموقف، وهو يمثل ما عُرف لاحقًا بالقوة الناعمة؟!

يا أخي ما هكذا ترد الإبل، فإن ضاقت بك المدارك الواسعة، فلا تُؤذي مجلس الشورى العُماني بقول أو فعل، لأنه مارس حقًا من حقوق الناس عليه، والسيادة الوطنية كما هو حال كل الدول الحرة، بحيث يمثلهم كيف هم أرادوا.