الاقتصاد العالمي في 2023

مساعٍ لتجاوز الكساد ونزع براثن الأزمات المتلاحقة

 

لا مفر من الانكماش وتباطؤ الاقتصاد في 3 اقتصادات رئيسة

"اختلالات قوية" تضرب هيكل الاقتصاد العالمي بمطرقة الحرب الروسية وأزمة الطاقة

أسعار الغاز قفزت 4 مرات بسبب الحرب الروسية

اتساع وتيرة التضخم يدفع البنوك المركزية لمزيد من التشديد النقدي ورفع الفائدة

 

الرؤية- مريم البادية

 

يُواجِّه الاقتصاد العالمي في 2023 جملة من التحديات، في المقدمة منها مساعي الاقتصادات الكبرى لتفادي شبح الكساد، والتخلص من تبعات الأزمات المتلاحقة التي يئن منها منذ تفشي جائحة كورونا في الربع الأول من 2020.. غير أن التحديات لم تعد تتوقف فقط عند الأوضاع الاقتصادية والجوائح الصحية؛ إذ دخلت على خط الأزمات منذ مايو 2022 تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، وأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة الناتجة عن اتساع نطاق الضغوط التضخمية وزيادة أسعار الفائدة والتباطؤ الاقتصادي في الصين.

وبحسب صندوق النقد الدولي، أشارت التوقعات إلى ثبات معدل النمو العالمي في 2022، حيث بلغ 3.2% ليتراجع لاحقاً إلى 2.7% في عام 2023 بنسبة انخفاض قدرها 0.2%، ويمثل ذلك أضغف أنماط النمو منذ عام 2001 باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية عام 2008 والمرحلة الحادة من جائحة كورونا.

انكماش وتباطؤ

وأشار تقرير للصندوق صدر في أكتوبر الماضي إلى أن أكثر من ثلث الاقتصاد العالمي سيشهد حالة من الإنكماش في العام الحالي أو القادم مع استمرار تباطؤ النشاط في أكبر 3 اقتصادات في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والصين، ويعود التباطؤ الاقتصادي الملحوظ بسبب انكماش إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في النصف الأول من عام 2022، والانكماش الذي شهدته منطقة اليورو في النصف الثاني من 2022، إضافة إلى طول أمد تفشي جائحة كورونا وإجراءات الإغلاق العام في الصين إلى جانب تزايد الأزمة في قطاع العقارات، وحوالي ثلث اقتصاد العالم معرض لأن يشهد ربعي سنة متتاليين من النمو السلبي.

وبحسب التقرير، فما يزال الاقتصاد العالمي يشهد اختلالات قوية نتيجة الحرب الروسية في أوكرانيا والتي نتج عنها أزمة شديدة في الطاقة على مستوى أوروبا؛ حيث أدت إلى ارتفاع حاد في تكلفة المعيشة وتعثر النمو الاقتصادي. وارتفعت أسعار الغاز في أوروبا بأكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2021؛ حيث قامت روسيا بتخفيض إمدادات الغاز إلى أقل من 20% وأدى انخفاض الصادرات من روسيا ولاسيما الغاز إلى التأثير سلبا على تجارة الوقود الأحفوري، مما يزيد من احتمالية عجز الطاقة خلال فصل الشتاء الذي بدأ قبل أيام وما بعده، كما أدت الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الغذاء في الأسواق العالمية بالرغم من صفقة حبوب البحر الأسود.

تشديد نقدي

ومع اتساع التضخم تسارعت وتيرة التشديد النقدي، وسجل الدولار الأمريكي ارتفاعًا قويًا مقابل معظم العملات الأخرى، وكانت توقعات الصندوق تشير إلى وصول التضخم العالمي إلى ذروته مع نهاية العام المنصرم 2022، وإن كان سيظل مرتفعًا لفترة أطول مما كان متوقعًا في السابق، حيث كان 4.7% في عام 2021 ثم ارتفع إلى 8.8% في عام 2022، لكنه سيتراجع إلى 6.5% في 2023 وإلى 4.1% بحلول عام 2024، وكان الارتفاع المفاجئ في التضخم أكثر انتشارًا في الاقتصادات المتقدمة، مع زيادة درجات التباين على مستوى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية.

ويوضح تقرير الصندوق أن معدل النمو لعام 2022 أقل كثيرًا من متوسط الأداء في الفترة التي سبقت الجائحة والانتعاش القوي في النمو في عام 2021، ففي عام 2022 اتجهت التوقعات إلى اتساع الاقتصاد العالمي بنسبة 3.2% مقارنة بعام 2021؛ حيث حققت الاقتصادات المتقدمة نموًا قدره 2.4%، بينما نمت اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات المتقدمة بنحو 3.7%، ومن المتوقع أن يشهد توسع الاقتصاد العالمي تباطؤًا أكبر في عام 2023 بنسبة 2.7% مع نمو الاقتصادات المتقدمة بنسبة 1.1% واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية بنسبة 3.7%.

وفي الصين، أدت الإغلاقات العامة المتكررة وتطبيق استراتيجية "صفر كوفيد" إلى تداعيات سلبية على الاقتصاد، ولا سيما في الربع الثاني من عام 2022. علاوة على ذلك يشهد قطاع العقارات تراجعا سريعا وهو يمثل حوالي خُمس النشاط الاقتصادي في الصين، وسيشكل عبئا جسيما على مستويات التجارة والنشاط العالية نظرًا لحجم الاقتصاد الصيني وأهمية دوره في سلاسل الإمداد العالمية.

وينصح صندوق النقد الدولي بالتشديد النقدي لتجنب انفلات التضخم عن الركيزة المستهدفة، وتحسين أطر تسوية الديون بشكل ملموس لمعالجة المديونية الحكومية الحرجة المتزايدة بسبب انخفاض النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض، وتحقيق السياسات الرامية إلى تسريع مسار التحول إلى الطاقة الخضراء.

علاجات عاجلة

وتعد سياسات المناخ، من أبرز العلاجات العاجلة؛ حيث إن تغير المناخ سيترك آثارا كارثية على الصحة العامة والنتائج الاقتصادية في شتى أنحاء العالم، وأن تحقيق أهداف درجات الحرارة العالمية سيتطلب تخفيضات في الانبعاثات بنسبة 25% على الأقل بنهاية العقد الحالي، وأبرزت أزمة الطاقة كذلك مزايا أمن الطاقة التي يمكن أن تعود على البلدان من التحول إلى مصادر الطاقة النظيفة الموثوقة بحيث تنتقل بانتظام من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة منخفضة الكربون، ولتسريع هذا التحول ينبغي على الحكومات وضع حد أدنى لسعر الكربون بالإضافة إلى تشجيع البدائل النظيفة، وذلك من خلال تقديم الدعم لمصادر الطاقة المتجددة والاستثمار في مشروعات البنية التحتية اللآزمة لتمكين الشبكات الذكية. وبحسب تقرير الصندوق فإنَّ هذا التحول يتطلب زيادة مستمرة وكبيرة في الضرائب على انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وقواعد تنظيمية بشأن الانبعاثات واستثمارا كبيرا في التكنولوجيا منخفضة الكربون، ولا تستطيع الاقتصادات المتقدمة تحقيق التخفيض المطلوب بمفردها، فالبلدان المسؤولة عن إصدار أكبر قدر من الانبعاثات في الأسواق الصاعدة يتعين عليها أيضا تسريع وتيرة أنشطتها المتعلقة بتخفيض الانبعاثات.

تعليق عبر الفيس بوك