العلاقة بين المصارف الإسلامية والتأمين التكافلي

 

عيسى بن سالم الريامي **

اكتسبت البنوك الإسلامية ثقة عالمية وأصبحت واقعًا في كثير من الدول، فضلًا عن تميز أدائها في الدول الإسلامية، وتعود تلك الثقة إلى الطبيعة الخاصة للتوجه الاقتصادي الذي تقوم عليه الأعمال المصرفية الإسلامية، واعتمادها على أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء ومبادئها.

وفي سلطنة عُمان وبعد مرور 10 سنوات من الممارسة الجادة لأعمال الخدمات المصرفية الإسلامية، استحوذ قطاع البنوك الإسلامية على حصة سوقية بلغت 16.6% من إجمالي أصول القطاع المصرفي العماني مسجلًا نموًّا بمعدل 9.6 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وفقا للإحصائيات التي نشرتها وكالة الأنباء العمانية بنهاية أكتوبر 2022.

ويقوم عمل البنوك الإسلامية على تلقي الإيداعات وتقديم التمويلات واستثمار الأموال وتقديم الخدمات المصرفية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، ولأجل ذلك فالبنوك الإسلامية لها خصائص تميزها وتبعدها عن التعامل بالمال كسلعة تتعاظم بالإقراض الربوي، حيث تعتمد في تعاملاتها على صيغ شرعية كثيرة تُلبي من خلالها حاجات المتعاملين، وتقوم تلك التعاملات على تعاون رأس المال، والعمل كالمضاربة، والوكالة في جانب الاستثمارات، وفي جانب التمويلات يمكن أن نذكر الاستصناع، والبيع، والإجارة، والمشاركة، والمرابحة، والسلم، وغيرها، والجامع بين تلك العقود هو ما يتوسط بين رأس المال والربح من أصول، ومنافع وخدمات وأعمال، والقاعدة في ذلك "الغنم بالغرم".

ومن المعلوم أن العمل الاستثماري والتمويلي يتعرض لمخاطر متعددة وكثيرة، وبعضها يكون متكررًا في ظروف مُعينة مثل مخاطر الاستثمار في أسواق المال والصكوك، حيث تتأثر مثل هذه الأسواق بالأحوال السياسية، والاقتصادية وغيرها، كما يمكن أن تواجه البنوك الإسلامية مخاطر تتعلق بسلوك موظفيها، وضعف الأنظمة، والسياسات الداخلية، وهناك أخطار تتعلق بتوفر الاحتياطيات النقدية، وكذلك من أهم الأخطار التي تتعرض لها البنوك الإسلامية مخاطر الائتمان عند عدم القدرة على استرجاع الأموال التمويلية أو الديون الحّالة. ومن هنا تظهر حاجة البنوك الإسلامية في اللجوء إلى التأمين للتحوط من تلك المخاطر لحماية أموال المودعين والمساهمين.

وعلى أثر ما تقدم، فإنَّ نشأة البنوك الإسلامية في السلطنة، وممارستها الخدمات المصرفية الإسلامية منذ عام 2013 صاحبه نشأة شركات التأمين التكافلي، والتي تقوم على أساس التعاون والتكافل فهي نظام تضامني يتقاسم بموجبه مجموع المشاركين (المؤمن لهم) الأخطار التي تقع على أحدهم، وتعويضه من حصيلة الأموال التي تبرع بها المشاركون. وقد عَرَّف قانون التأمين التكافلي العماني نشاط التأمين التكافلي بأنه: نشاط تعاوني يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية، يقوم على مشاركة وتكافل مجموعة من الأشخاص لمواجهة أخطار محددة محتملة، من خلال أداء اشتراكات نقدية للشركة لاستخدامه في تعويض المضرور في حال وقوع الخطر المؤمن ضده، ويشمل ذلك نشاط إعادة التأمين التكافلي. وهذا النظام التكافلي شبيه بما عرفته العرب قديمًا بنظام "العاقلة".

والمتأمل في واقع العلاقة بين البنوك الإسلامية وشركات التأمين التكافلي يجدها علاقة تعاونية، وتشارك في أدوار المنافع المتبادلة، وهي علاقة حتمية؛ كون المظلة الكبيرة للقطاعين هي الاقتصاد الإسلامي الذي تتعاضد مفرداته لتقويم بعضها البعض؛ فالمنافع التي تعود على البنوك الإسلامية من علاقتها مع شركات التأمين التكافلي في طليعتها التأمين على مخاطرها في شركة تعمل وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء، وكذلك توسيع أنشطتها المصرفية، حيث تمكنت من خلق منتجات مصرفية جديدة مثل منتجات خطط الادخار لحياة التقاعد، والادخار لتعليم الأبناء، وتصميم خدمات مصرفية فئوية، كما تمكنت من تقديم خدماتها التمويلية شاملةً التغطية التأمينية، وهذه ميزة يرغب فيها المتعاملون ومن شأنها أن تعزز ولاءهم واستبقاءهم، وفي حالات معينة يعمل المصرف مُسَوِّقَا لمنتجات شركات التأمين التكافلي ونظير إحالته لعملائه يحصل على جُعْلٍ أو عمولات يُعزز بها أرباحه.

أما من ناحية شركات التأمين التكافلية، فعلاقتها بالبنوك الإسلامية أصيلة في تغطية مخاطرها المختلفة؛ حيث إنَّ أغلب المخاطر التشغيلية والائتمانية تلزم الأنظمة والقوانين التأمين عليها وهذا بحد ذاته يُمكن شركات التأمين التكافلي من الاستمرارية والتواجد، ومن ناحية فإن عملاء البنوك الإسلامية شريحة مهمة لشركات التأمين التكافلي وللعلاقة بين القطاعين، فإن الخدمات التأمينية ستنتشر بين المتعاملين مع تلك البنوك، وبالتالي تحصل شركات التكافل على قاعدة من التعاملين بشكل أسرع، وهذا بدوره يعني زيادة العمليات التأمينية، وبالتالي زيادة التبرعات لصندوق المشاركين؛ مما يمكنها كشركات للخدمات التأمينية من التوسع والمنافسة بحيث تتجه لتنويع المنتجات وتقليل أسعار خدماتها واشتراكاتها.

وتمتد تلك المنافع والمصالح إلى المتعاملين مع القطاعين البنكي والتأميني الخاضعين لأحكام الشريعة السمحاء؛ حيث يتمتع المتعامل بخدمات مالية متوافقة مع عقيدته الإسلامية الثابتة، ويتولد لديه اطمئنان من ترابط عمليات الادخار والاستثمار بآليات التحوط من المخاطر وفقا للمنتجات التكافلية المتطورة، كما يكسب وقتًا وجهدًا بتوفر خدمات التأمين التكافلي على طاولات الخدمات المالية الإسلامية.

ومع كل ما تقدم من ضرورة تعاون قطاع البنوك الإسلامية وقطاع التأمين التكافلي فإن القطاعين يعانيان من تحديات مشتركة وتحديات مختلفة متعلقة بكل قطاع، حيث يستهدف القطاعان بالدرجة الأولى نفس شريحة المتعاملين ولتوسيع قاعدة متعامليهم فإنه يتحتم عليهما التعاون لجذب متعاملين جددا من الأفراد والشركات وذلك بابتكار منتجات جديدة جاذبة تلبي احتياجات المتعاملين وكذلك بتخفيض رسوم الاشتراك (الأقساط التأمينية) مع عدم إغفال الجانب الدعائي والتثقيفي لإقناع الشرائح الجديدة المستهدفة بفاعلية منتجات التأمين التكافلي ومزاياها.

ومن خلال الممارسة العملية، أرى قصورًا في توفير تأمين تكافلي لبعض التمويلات الكبيرة، وهذا طبعًا يعود لحجم الاستيعاب التشغيلي لشركات التأمين التكافلي العاملة في السلطنة لأجل ذلك؛ فهي بحاجة إلى دعم ومساندة من البنوك الإسلامية لتمكينها من توسيع محافظها وتعظيم عوائدها، كما تُعاني شركات التأمين التكافلي من الارتباط والتعاقد مع شركات إعادة تأمين تكافلية عالمية لأسباب عدة تثيرها شركات إعادة التكافل، الأمر الذي يلح على الدفع قدمًا بإنشاء شركات إعادة تأمين تكافلي عمانية لرفد قطاع التأمين التكافلي وتوسيع المنافسة.

** رئيس إدارة الالتزام والتدقيق الشرعي ببنك العز الإسلامي

تعليق عبر الفيس بوك