"مونديال فلسطين" في قطر العروبة

 

حمد بن سالم العلوي

بدايةً تهانينا الحارة لدولة قطر لإدارتها الرائعة لمونديال قطر 2022، وتهانينا الأجمل بيومها الوطني، الذي وافق ختام المونديال، ونقول كلمة حق ودون أية مواربة، لقد أبدعتم أيُّها الأعزاءُ من أهلنا القطريين في إدارة هذا العرس الكروي على مدى شهر تقريبًا، وكان كل يوم أجمل مما سبقه من أيام المونديال، وكل مباراة تمثل حدثًا مستقلًا بذاته، وقد علّمتم العالم أنَّ العرب هم من قاد وسيظل يقود حضارات الدنيا بجدارة وهمة واقتدار، وأنَّ الطمأنينة والوقار أمران متلازمان في بلاد العرب، وأنَّ الدمار والخراب، سوآت متلازمة من سمات غيرهم من أجناس البشر، ممن يقدمون لغيرهم الشر، ويحتفظون بما يظنونه خيرًا لهم وحدهم.

لقد أتى الغرب إلى المونديال، وهدفه الظاهر التنافس في المباريات، ولكن أهدافه المخفية إفشال المونديال، ومحاربة الله في شرعه وخلقه، وبث الرذيلة والترويج للفساد في بلاد العرب، فأولئك الذين وضعوا أيديهم على أفواههم، قد أخْزَاهُم الله، وخذلهم في أوَّل منافسة، وردوا إلى بلادهم خائبين، والذين وصلوا إلى النهائي بأي كائن كان من التدابير، وتعهدوا بمُناصرة أعداء الله، إن هم فازوا بالكأس، فكان نصيبهم كنصيب الذين ردوا أيديهم في أفواههم، وقد أظهرت بعض لقطات الفيديو، كيف كان بأسهم بينهم شديد، هذا ما كان وحصل في المونديال، والقادم إليهم- بإذن الله- أعظم.

وعلى كل حال لقد فازت دولة قطر على العالم كله بالمونديال، وبحقيقة أكبر من الكأس الذهبي، وذلك بحُسن التنظيم وإدارة المونديال، وكانت قبلة العالم وحديثه خلال كل فترة المونديال، وقد عاش العالم مونديالًا تاريخيًا وفريدًا في شكله وأسلوبه، وبشهادة الجميع أنه كان من أروع ما جرى لحد الآن، وإلى أعوام عديدة قادمة، لن يُدير أحد مونديالًا بهذا الكرم والجود والأخلاق، فليس من سجايا كسجايا العرب في إكرام الوافدين، واحترام الغريب، وليس هناك من يحمل هذا التسامح وطيبة الخلق، إلاّ من كان عربيًا على وجه الخصوص، وإسلاميًا بصورة عامة.

إذن؛ فقد كان المونديال عربيًا بلا منازع، وفلسطينيًا بكل جدارة واقتدار، وبتلقائية من كافة الشعوب العربية، فإذا العالم تعرف على مكارم الأخلاق عند العرب، وذلك على مدى أيام هذه المناسبة، فقد رُفع الغطاء الذي كان يكبت القضية الفلسطينية، ويعمل على تغييبها عن الوجود، وقد عرف الصهاينة بما لا يدع مجالًا للشك، وبعد كل التظليل الذي اعتمدوه هم والغرب دون استثناء، أنهم فقدوا كل العناء الذي قاموا به على مدى زمن جاوز أكثر من سبعة عقود، وذلك خلال فترة انعقاد مونديال قطر 2022، وقد عرفوا جليًا أن كل ذلك التوغل في الشعوب العربية، كان محض خيال واختلاق، وأن الاحتلال لأرض فلسطين.. لن يدوم، وأن تحرير فلسطين قادم لا محالة.

وأن الدروس التي يستفاد منها في هذا المونديال، ليس من خلال الفعاليات الأخيرة، وإنما منذ فوز دولة قطر في عام 2010 بتنظيم كأس العالم، وهي في صراع مرير مع الغرب وأعوانه في الأمة العربية، إذن؛ دولة قطر وعلى مدى 12عامًا، وهي تقود معارك شرسة على عدة جبهات، أهمها الجبهة التي كانت تتصدى بالمكايد والدسائس لإفشال قيام المونديال، ليس في موعده فحسب، وإنما في إلغائه تمامًا، والجبهة الثانية في التصدي للإعلام المأجور، والمنافق الذي ظل يشكك في قدرة قطر على تنفيذ ما وعدت به العالم، وذلك من يوم فازت بالاستضافة، وهي أول دولة عربية تحظى بهذا الشرف الكبير، والجبهة الأقل خطورة، هي جبهة البناء والتشييد، ولا تتمثل في الملاعب وحدها التي ستقام عليها المباريات، وإنما ما رافق ذلك من تنمية متنوعة، شملت المطارات، والطرق، والأنفاق، والمترو والقطارات، والفنادق والمدن الترفيهية، والأسواق، وكل الوسائل العصرية من خدمية وغيرها التي ستناسب ملايين الأشخاص، الذين سيحضرون المونديال على كافة أذواقهم، وثقافاتهم المختلفة.

إذن؛ دولة قطر التي أسماها خصومها بالدولة "الصغيرة" فاجأت الأصدقاء قبل الأعداء، وقد أثبتت بعملها أنها هي من ينطبق عليها قول الشاعر:

(على قدر أهل العزم تأتي العزائم // وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها // وتصغر في عين العظيم العظائم).

لقد أكدت دولة قطر أنَّها تضارع الدول الكبرى قولًا وفعلًا، وأن كل الكبار هم صغار، مهما كان حجم دولهم ومكانتها، أكانت بفارق المساحة، أو السكان فهم الصغار حقًا، أكان صغرهم يكمن في حسدهم للغير، أو كان ظنهم بأنهم صغار بتفكيرهم، وذلك بغض النظر عن كبر دولهم، فسوف يظلون صغارًا كما أرادوا هم، وحكموا على أنفسهم بهذه المنزلة الوضيعة، أما دولة قطر فقد امتلكت الإمكانيات، وسخرتها لخدمة ذاتها، ورفعة شأنها وشأن العرب، ورغم أن بعضهم لا يستحق هذه الرفعة، ولكن الكبير يظل يحتفظ بكبريائه، فيترفع عن الصغائر والضغائن، والأهم من المال وكل الإمكانيات المادية، قوة العزيمة والإرادة الفولاذية، وهي أمور تكمن في حسن القيادة، والحزم في اتخاذ القرارات الصائبة، والإصرار على تنفيذها، وهذا هو الأهم في كل شيء، وقد أصرت عليه القيادة القطرية..

شكرًا جزيلًا لدولة قطر لقد رفعتم رؤوسنا عاليًا، والشكر الأكبر لقائدها الشاب الفذ الحكيم تميم المجد.