المخفي في مونديال قطر

محمد أحمد سلامة
بدايةً أودُ أن أتقدم لدولة قطر قيادة وحكومة وشعب على نجاح تنظيمهم لاكبر حدث رياضي تستقبلة المنطقة جمعاء، ألا وهو فعالية كأس العالم التي تسعى جميع الدول لاستضافتها في أراضيها؛ بما في ذلك كبريات الدول العظمى طمعاً في الارباح الاقتصادية الكبيرة التي تجنيها من خلف ذلكم التنظيم، إلا دولة قطر التي صرفت صرف من لا يخشى الفقر من أجل أشياء كثر لم يكن الربح المادي في أولوياتها.

فبعيدًا عن الربح المادي والكسب الكروي نجحت دولة قطر في أهم ما فشلت فيه عدد من التجمعات السياسية والاقتصادية "العربية" بما فيها جامعة الدول العربية التي لا يظهر لها صوت إلا من أجل التنديد  وتوجية صوت اللوم؛ حيث استطاعت من خلال هذا المونديال جمع الشعوب على اختلاف مشاربها، ووحدت المشاعر، وعكست إمكانية التعايش السلمي بين كافة الدول، كما استطاعت أن تعكس الوجه الحقيقي للإسلام والمسلمين وللنزعة العربية المحبة للسلام.

لقد أبهرتنا دولة قطر بتنظيم يرتقي تماما؛ بل ويتفوق في بعض الاحيان لمستوى هذا الحدث الكبير، كما أدخلت قطر جميع الدول التي تفكر في استضافة النسخ القادمة من كأس العالم في تحد قد يصعب مواجهته، حيث إن تلك الدول حتى ولو امتلكت القوة المادية فمن أين لها بالمُثُل الأخلاقية التي طغت على كافة فعاليات هذه النسخة، فبشهادة الجميع كانت القرارات التي اتخذتها دولة قطر تجاه شرب الخمر ذات أثر كبير في خروج الكثير من المباريات بسلم وأمان بعد أن كانت في النسخ السابقة تترك وراءها الكثير من الندوب والذكريات المريرة، بالإضافة إلى الأخلاقيات التي أظهرها القطريون والمقيمون على أرض دوحة الخير، وأغلبية المشجعين القادمين من الدول العربية والإسلامية واللذين سهلت عليهم لأول مرة متابعة فعاليات كأس العالم على أرض الواقع، ولا ننسى الأمن والأمان الذي أحست به حواء الأوروبية والأمريكية قبل آدمهم والاحترام الذي وجده الجميع من قبل أصحاب الأرض والمقيمين عليها.

لعل من أميز الأشياء التي انفردت بها هذه النسخة هو ذلك الشعور بالترحاب البادي على تلكم الوجوه الطيبة وبالأخص من رجال الشرطة والأجهزة الأمنية المختلفة، ومن العاملين في مجال التوجيه؛ سواء على الطرق العامة أو في محطات المترو أو في المطارات وفي كافة مواقع الفعاليات، والحرص الزائد منهم من أجل تقديم يد العون وتوفير سبل الراحة للكل بدون فرز، وتوفير الأمن والأمان لكل المشجعين؛ حيث خلت هذه النسخة من أعمال الشغب المعروفة ومن السرقات وعمليات الغش التي تواجه القادمين لمتابعة فعاليات الكأس، إلا من جزء يسير تم التعامل معه في لحظته واسترداد المسروقات وسط دهشة المذيعة الأرجنتينية التي سرق منها بعض متعلقاتها الشخصية وتمت إعادتها خلال ساعتين فقط.

لقد أسعدني الحظ بحضور هذا المونديال فكنت شاهد عيان على النهضة العمرانية التي عمّت كافة أنحاء دولة قطر ، وعلى شمولية الفعاليات التي قدمت خلال (مهرجان) كاس العالم "فما شهدناه في دوحة الخير كان مهرجاناً ولم يكن مجرد استضافة لمباريات بين منتخبات يفوز فيها من يفوز ويخسر فيها من يخسر"، فلقد أولت قطر اهتماما بالجميع صغاراً وكباراً شيوخا وشبابا، وأقامت الكثير من الفعاليات المصاحبة ذات الأثر الكبير في نفوس الجميع، فرأينا التئام العائلات في مكان واحد وهم يستمتعون بالموسيقى العالمية والعربية والفنون التشكيلية والالعاب، ووفرت للكل تجربة تذوق جميع الأطعمة من كافة دول العالم، كما إنها لم تنس بالتأكيد أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث شهدنا كل سبل الراحة المتوفرة لهم؛ سواء كان ذلك من خلال العربات الصغيرة أو من خلال كراسي متحركة موزعة على الاستادات، عوضاً عن الدخول السهل لهم وتوفير أماكن خاصة بهم تحت حراسة أطقم الأمن داخل الاستادات.

ختامًا.. ما أود قوله إن تجربة دولة قطر قد كشفت عن إمكانية تحقيق الأحلام في حال توفرت القدرة على الصمود والمثابرة على الوصول، والعزيمة لتفتيت كل الصعاب والتحديات، فهنيئًا لدولة قطر هذا الإنجاز الذي سيسجل في التاريخ أبى من أبى وقبِلَ من قبِل، وستظل هذه النسخة عصيّة على التجاوز على كافة الأصعدة، بعد أن استطاعت قطر تحويل كافة معوقات التنظيم لصالحها، وأثبتت بشهادة الكل أن نجاحات الأمم لا تأتي من المساحات الشاسعة ولا في كثرة تعداد السكان؛ بل بالعمل المُضني.

 

تعليق عبر الفيس بوك