بأي ذنبٍ قُتلت؟

مدرين المكتومية

فُجع المُجتمع خلال الأيام القليلة الماضية، مرتين، على وقع جرائم قتل مع سبق الإصرار والتَّرصد، جرائم اهتزَّ لها الضمير المُجتمعي، وأصيب البعض بالصدمة، جراء ما وصل إليه حال شرذمة قليلة في المجتمع، فقدت إيمانها، وتلاشى يقينها بما يجب عليها القيام به وما يتعين عليها تجنبه، فسقطت في براثن الجُرم المشهود، لينتظرها مصير محتوم لا مُنجي منه سوى التوبة والإنابة، وطلب العفو من عموم المُجتمع، وليس أهالي الضحايا وحسب، مع توقيع العقوبة الصارمة التي لا بديل عنها.

استيقظ المُجتمعُ على نبأ مَقتل مُحاميةٍ على يد طليقها، طعنًا بالسلاح الأبيض، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة على بعد خطوات من محراب العدالة، ثم تلى ذلك نبأ مقتل فتاة يانعة في مُقتبل عمرها، على يد شاب لا نعلم دوافعه الحقيقية حتى الآن، فوأدها قبل أن تسعد بحياتها وتفرح بها أسرتها.

لا أظن أننا وصلنا إلى مرحلة نستيقظ فيها صباحًا لنجد هواتفنا تضج بالصور والتغريدات والتعليقات على جرائم نستهجن حدوثها ونتأسف على ما آلت إليه الأقدار، فلله الحمد ما زلنا في نعمة كبيرة من الأمن والاستقرار، بفضل جهود المؤسسات المعنية والدور التوعوي والمعرفي الذي تمارسه مختلف الجهات ذات الصلة.

لكن علينا أن نُفكّر قليلًا في دوافع الجاني لارتكاب مثل هذه الجرائم الشنيعة، خاصة وأنَّ تكرار حدوث مثل هذه الجرائم سيجعل المتلقي يستقبلها بصورة تقليدية دون أن يُحرك ساكنًا. ما الذي يدفع شابًا عشرينيًا لارتكاب جريمة القتل، وأُركز على فئة الشباب بالتحديد؛ كونهم في مُقتبل العمر، خشية أن ينتهي بهم المطاف في زنزانة مغلقة، وربما الإعدام.

أُجزمُ بأنَّ التحديات المحيطة بالفرد والمجتمع لها دور أساسي في وقوع مثل هذه الجرائم، والتي ربما تنتج من التأثر الشديد بما يشاهدونه من حولهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات البث المرئي وشاشات التلفزة والألعاب الإلكترونية، التي يشيع فيها استخدام الأسلحة لقتل الخصوم في اللعبة، وغيرها الكثير من المؤثرات السلبية التي يجب تحصين الشباب منها، بالوعي وتعزيز المعارف والعلوم والارتقاء بالثقافة.

إننا نعيش تحت وطأة هذا العالم المُتغير، الذي غيَّب الكثير من القيم والمبادئ التي تربينا عليها، فالوقت الذي كنَّا نجتمع فيه على سفرة واحدة مع عائلاتنا، قد انتهى في هذا الزمن، فما عاد هناك أب يقدّم النصح لأبنائه إلا ما رحم ربي، ولا تجد زوجًا وزوجة متفقان على طريقة واحدة في تربية الأبناء، سوى القليل، وهذا الاختلاف بين الأبوين يجعل الأبناء يعيشون حياة مزدوجة، وهذه الازدواجية تجعل منهم أشخاصًا غير أسوياء، وهنا لا ألقي باللوم كاملًا على الأسرة، لكني أتحدث عن الدور الكبير الذي تحمله على عاتقها.

والعنف الأسري وربما القصور في توفير احتياجات الأبناء يخلِّف أناسًا يشعرون بالنقص.. نقص في الحب، ونقص في المشاعر، ونقص في الاحتياجات، ونقص في كل شيء، وهذا النقص يدفعهم للبحث عن ما يساعدهم على إكماله عندما يكبرون، فيلجأون للحلول السهلة، مثل: أصدقاء السوء، وتعاطي المخدرات، وربما الجرائم البسيطة التي تجر معها جرائم أكبر تصل للقتل!

ليس هذا فقط، فالتحديات الاقتصادية التي تتسبب في ارتفاع نسبة البطالة وضيق العيش على كثيرين نتيجة كثرة الديون والقروض التي ربما منها ما هو غير ضروري أو في غير أوانه، كل ذلك يضغط بشدة على الأفراد. كما إن غياب الوازع الدين قد يدخل في الأمر بصورة كبيرة. ولا يجب أن ننسى الوضع النفسي والعقلي والاجتماعي الذي يعيشه الشخص، كل هذه الأسباب تجعل من جريمة القتل قابلة للحدوث.

أعلمُ أنَّ هناك وعيًا كافيًا بين غالبية أفراد المجتمع، لكن في الوقت نفسه ثمة أمور تحدث بسبب ردات الفعل السريعة، عندما يفقد الشخص سيطرته على نفسه، وهذه المواقف يحتاج المرء فيها إلى التحلي بالصبر والتريث.

فواجع الموت التي تأتي بسبب القتل، أشد من أي فاجعة أخرى، خاصة إن كانت مع سبق الإصرار والترصد؛ إذ إنَّ إقدام شخص على القتل مُتعمدًا نتيجة لخسارة قضية أو لرفض زيجة أو لأي سبب كان، مسألة يجب التنبه لها والتحلي بالحذر الشديد تجاه كل من نتعامل معهم، وأن يدرس المرء دائمًا خياراته بعناية فائقة حتى لا يبكي على اللبن المسكوب.

إنني لأشاطر أسر أي إنسان تعرض للغدر مهما كانت صورته، وأينما كان، في شرق الأرض أو غربها، وأدعو الشباب- تحديدًا- إلى التعقّل والتحكم في المشاعر بصورة أكبر، والى الاستفادة من القدوات الإيجابية والابتعاد كل البعد عن النماذج السلبية المحيطة بكل فرد، فلقد كرم الله الإنسان كي يُعمّر الأرض لا أن يفسدها بالجرائم.