راشد بن حميد الراشدي *
بكتْ عيني على وطنٍ أشم.. فما بالُ الحياة بنا تَئِن
****
مُتابعات ليوميات وظواهر صعبة يحفل بها الوطن، وتزداد يوميا نتيجة انعكاسات الحياة؛ كأبٍ مُسرَّح أو عاطل عن العمل، وأسرة يعتصرها الألم من "قلة ما باليد"، وديون يرزح تحتها ربُّ الأسرة نتيجة عدم وجود مصدر دخل له ولأسرته، هكذا هي يوميات بعض المواطنين أعانهم الله.
الفِرَقُ الأهلية ضجَّت من كثرة المطالبات والمناشدات اليومية من أُسَر تَئن تحت وطأة "قلة ما باليد"، ويكثر الحديث ويطول مع معاناة مئات من هؤلاء المعسرين. لكنَّ المشهد الذي شدَّني ولفت انتباهي وسط هذا الضجيج، مشهد الأطفال في ربيع العمر الأول، واعتقد أنهم ما زالوا في مرحلة التعليم الأساسي، ولظروف حياتهم المعيشية الصعبة، وضعف راتب أبيهم، حَمَلوا هَمَّ أسرهم؛ فخرجوا إلى الشوارع لبيع منتجات صنعتها أمهَّاتهم؛ كالشاي وبعض المخبوزات البيتية؛ لنجدهم على قارعة الطريق كل يوم، بعضهم صباحًا وبعضهم مساءً.
الفضول شدَّني نحو بعضهم لأسأل عن هؤلاء الأطفال ممن رأيتهم في إحدى محطات الوقود، وسألته مُبَادرًا عن دراسته، فقال إنه يدرس في الفترة المسائية، وأبوه لم يجد عملًا سوى سائق شاحنة في إحدى الشركات وبمرتب بسيط، ومتطلبات الحياة كثيرة، وهم يسكنون في بيت يدفع له والده أجرًا، وقد قرَّر أن يُساعده في بيع الشاي صباحًا ومساءً، مضيفًا: "يحملنا أبي كل يوم هنا لنبيع الشاي، ونكسب بعض المال الذي يعينه على مصروفاتنا.. أنا في الصباح وأخي في المساء".
أبكاني الحال الذي وصل به حال هذه الأسرة وأبكاني أن يصل الأمر بأطفال صغار يبيعون في الطرقات لكسب قوت يومهم.
أطفال في عمر الزهور لا يستطيعون حتى سكب الشاي، يحملون هَمَّ أبيهم وأُسرهم!!
عجبًا لما يحدُث من حولنا من أحداث تُبكي العاقل وتُوجع قلبه وتُدمع عينه، فبينما يعيش كثيرون على خيرات هذا الوطن -والذي يحوي بحمد الله خيرات وثروات في بحره وأرضه وجوه- نجد بعض المواطنين يُجاهدون في سبيل لقمة العيش، ويتمسكون بأي وظيفة رغم مستواهم التعليمي الجيد.
فهل وصلت الحال بأطفال في التاسعة والثامنة من العمر لحمل هَمِّ أسرهم في وطن عزيز مِدرار غني بالثروات؟!
أبكاني حال هؤلاء الأطفال الذين يجب أن يعيشوا طفولتهم في سلام وأمان، وأن يجتهدوا في طلب العلم والراحة ليوم ثقيل عليهم في التعليم وفي العمل الذي ألزمهم إعانة والدهم.
مُشاهدات لم تكن في وطني يومًا، أراها اليوم بأم عيني، وأحمل أوجاعها للجميع، لكي نجد الحلول ونسعى لتوفير فرص العمل الكريم للجميع، لكي تختفي هذه المشاهدات اليومية من على طرقات الوطن.. فالوطن مليء بآلاف الفرص الوظيفية، وأبناء عُمان لم ينقصهم التعليم ولا الإبداع ولا التميز؛ حيث يجب تتبُّع كل الفرص الوظيفية في مختلف مؤسسات الدولة وتعمينها، وتحديد المهن التي يجب إحلال المواطنين الأكفاء فيها من مهنيين وخريجين وغيرهم.
مشهد هذه البراءة على قارعة الطريق، يدق ناقوس الخطر لما هو قادم من صعوبات حياتية لمثل هذه الأسر، والتي أتمنى أن تتحسن أوضاعهم، وتوجد الحلول والخطط والقرارات الفورية لمواجهة مثل هذه الظواهر، كما أناشد جميع أصحاب الثروات والخيرات أن يُسهموا في إعانة إخوانهم، فهذا يوم رد الجميل للوطن الذي أنعم الله عليهم من خيراته ونعمائه.
اليوم.. نقف جميعًا نحو مزيد من الإصلاح الاجتماعي، وإيجاد حلول جذرية لمن يعانون من ضيق العيش؛ من خلال توفير فرص العمل وتيسير الأعمال الريادية التي يستطيع المواطن القيام بها، وتشجيعه دون منافسة الوافد له.
"أطفال في الشوارع" هي ظاهرة ستختفي بإذن الله في وطنٍ غالٍ كعُمان، وسنرى بوارق الخير لمثل أسر هؤلاء الأطفال قريبًا بإذن الله، وستتحقق من خلال عودة حياة كل الباحثين عن عمل في حصولهم على وظائف، يشقون بها طريق الحياة الكريمة لهم وأسرهم.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها على مداد الكلم، وأعانهم على فِعَال الخير واليُسر بإذن الله.
* عضو مجلس إدارة جمعية الصحفيين العمانية