مجموعة "مش فارقة"

 

د. خالد بن علي الخوالدي

khalid1330@hotmail.com

 

ربما يتقمص عدد منَّا دور مجموعة "مش فارقة" وهي مجموعة تهتم وتعاني وتشعر بالضيق من أمور كثيرة تواجهها، لكنها لا تحرك ساكنًا، ولا تُغيِّر شيئًا، ولا تظهر ردة فعل حتى ولو بكلمة أو همسة أو تغريدة أو تذمر أمام أحد، فقط بينها وبين نفسها تقول "مش فارقة"!

يروح الحلاق ويجده رفع السعر 200 بيسة أو أكثر أو أقل ويدفع ويقول "مش فارقة"، ويأتي إلى خياط الملابس والذي كان يخيط الدشداشة بثلاثة ريالات ليقول له ادفع 6 ريالات ويدفع ويقول "مش فارقة.. ما بفصل ملابس دائمًا"، ثم يذهب إلى مغسلة السيارات لتنظيف سيارته فيجد المغسلة التي كانت تغسل بريال أصبحت بريال ونصف الريال، فيدفع وهو ساكت ويقول "مش فارقة"، يدخل المركز التجاري ويلاحظ أن الأسعار في ارتفاع عمّا سبق ويدفع ويتألم في داخله لكنه يتذكر فيما بعد مجموعة "مش فارقة" ويهز رأسه ويخرج، ثم تتعطل سيارته ويذهب بها إلى أقرب ورشة لتصليح السيارات ويصلح سيارته بمبلغ كبير ويدفع غصبًا عنه ويقول "ما فرقت" على ورشة التصليح، ويمرض أحد أبنائه ويذهب به إلى عيادة طبية خاصة فيدفع لفتح الزيارة ومقابلة الطبيب مبلغ 20 ريالًا مستغربًا ومستهجنًا الأمر ويتساءل بينه وبين نفسه لماذا أدفع هذا المبلغ الكبير لمقابلة الطبيب ثم أدفع مرة أخرى للدواء والإبر والفحوصات، يدفع صاحبنا ويقول "مش فارقة"؛ فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يشعر بها إلا المرضى.

وكلما ذهب صاحبنا إلى قضاء أي مصلحة يدفع ويكرر مقولته المعروفة بينه وبين نفسه "مش فارقة"، حتى الخدمات الحكومية يدفع لها أموالًا طائلة دون معرفة لماذا يدفع؟ كأن يذهب لتجديد الرسم المساحي (الكروكي) والذي رغم قدمه إلا أنه لم يتغير فيه شيء؛ حيث يُطلب منه تجديده فيدفع 5.250 ريال لمكتب البريد ويدفع في نفس مكتب البريد 6.750 ريال رسوم للإسكان يعني دفع ما يقرب من 12 ريالًا، وكان بالإمكان استقبال المعاملة في مديرية الإسكان دون أن يدفع هذه المبالغ، وطبعًا صاحبنا يدفع تحت مبدأ "مش فارقة" المهم أخلص معاملتي، ويُطلب منه صكا شرعيا ويدفع مبلغًا كبيرًا بعد أن كان بريالات معدودة ويدفع ويترحم على زمان الريالات القليلة، ثم يُطلب منه فحص للعمالة الوافدة ويدفع عشرات الريالات للعيادات الخاصة ثم يتبعهم بدفع 30 ريالًا لوزارة الصحة دون تقديم أي خدمة، فقط عليه أن يدفع ويسلِّم أمره إلى الله ويقول لنفسه المهم أخلص موضوع العاملة أو العامل ومش فارقة كم ريال!

إنَّ مجموعة "مش فارقة" سوف تتعب وتستهلك طاقتها وصحتها ونفسيتها ومالها، ثم ستقوم الحكومة من خلال المستشفيات لدفع قيمة العلاج، وستخسر شبابًا كان بالإمكان المحافظة على صحتهم البدنية والنفسية من خلال التسهيل عليهم بدلًا من أن يدفعوا الرسوم دون داعٍ، بينما تتزايد الضرائب على الناس.. هذه المجموعة تمثل شريحة كبيرة من المجتمع، تعمل وتكدح وتجتهد، لكن أغلب ما تجنيه يذهب إلى فوائد البنك وإلى الرسوم والضرائب وإلى المراكز التجارية التي لا ترحم وترفع الأسعار دون مراعاة للظروف، وكنَّا نحتمي بعد الله سبحانه بهيئة حماية المستهلك التي لم تعد كما كانت سابقًا.

حاولوا أن تتوقفوا عن ترديد عبارة "مش فارقة" واقرعوا أبواب المؤسسات المعنية لعل وعسى من يستمع لكم، ودمتم ودامت عُمان بخير.