الوجه الآخر للألم

 

أم كلثوم الفارسية

ليس ثمَّة شيء مُوحد بين جميع هذه الوجوه السابحة في طرقات الحياة سوى الألم، جميعنا قد نال منِّا الألم وأخذ منِّا مأخذه في صور مختلفة بين فقد وفقر ومرض وخذلان وخيانة.

من جميل ما قرأت في وصف الألم وصف الروائي الرائع محمد علوان في روايته "سقف الكفاية"، كيف أن يكون الألم حنظلةً مُرَّةً مغموسةً في سُكَّرٍ محروق، أو ربما يُشبه موتاً يُبعثُ تحت قشرة الحياة أو مأتماً قاتماً في ليلة عيد أو وجه مهرِّجٍ ضحوك تراوده الحياة عن دمعة" إنه الألم لحظات سقوط الأقنعة أمام الضعف البشري والمحرك الأول لدولاب الحياة ينقلنا من حال إلى حال..هو أن تعيش مشاعر تسحق روحك وتطفئ بريق الحياة في عينيك أن تفهم جيدًا كيف يصافح الخذلان طيب نواياك لتشعر في عمق شعورك كم كنت أحمق!! الألم تلك الاحتضارات لجميل أحلامك.. إنه التمزق.. والضياع.. موت الآمال.. وقلة الحيلة.. وضعف القدرة.

هل كان يشير الشاعر الراحل نزار قباني عندما قال "إن الدمع هو الإنسان وأن الإنسان بلا حزن ذكرى إنسان" إلى دور الألم في توحيدنا ليصبح لون دمعنا واحدا نغرق في مشاعر واحدة وننجو منها ونحن نشبه بعضنا أكثر ونشعر ببعضنا أكثر فنصبح أكثر إنسانية وأقرب لطبيعتنا البشرية.

يبدو لي أن الألم بطل رئيسي في حكاية الوجود الإنساني فصرخة الميلاد مع أول نفس في الحياة وأول مشهد للنور كانت تخبرنا بمتلازمة الحياة والألم لكن عبثاً أن نفهم!

الألم هو المصنع الفاخر الذي ينتج لنا صورا بشرية بمزيج رائع من لحظات الضعف والقوة الإيمانية غير العادية التي تدخل الإنسان في تجربة روحية عميقة يجد عندها مفاهيم إيمانية لم يُدركها من قبل تتيح له التعرف على رسالته في الحياة وغاية وجوده.

إنَّ الله إذا أحب عبداً ابتلاه لا يقتصر الموضوع في تفسير ذلك على أن الألم يقدم لنا فرصة حقيقية لتأكيد العقيدة وتثبيت الإيمان فهذه نظرة سطحية لا تمثل وظيفة الألم في حياتنا إن هذا الألم الذي يمس أعمق نقطة في ذواتنا يمنحنا نورًا يغسل بصائرنا فنرى مُجريات الحياة بنظرة أكثر حكمة الألم هو الأب الروحي لسلامنا الداخلي هو جسر العبور للقوة الذاتية.

فكما هو متوارث في ثقافتنا الاجتماعية أن الضربة التي لا تقتلك تقويك وأن المواقف المؤلمة التي تجرحك في أكثر المواضع الحياتية أمانًا هي نفسها من يجعل منك شخصا آخر قادرا على الانتصار في كل مرة ألم.

إن آهاتك الملتهبة التي سامرت بها الليالي الحالكة هي من تصنع مسراتك في أكثر الأيام وردية وسعادة يقول الفيلسوف الروسي فيودور دوستويفسكي: "لا بُدّ أن نتألم حتى النهاية في سبيل سعادتنا المقبلة.إن الألم يطهّر كل شيء".

ولتعلم يا صديقي أنَّ الألم وإن صعب عليك ما هو إلا هدية سماوية تعطيك أكثر مما تأخذ منك فتصالح مع الألام؛ لأنه جزء لا يتجزء من قصتنا الإنسانية، فبقدر ما يظهر التناقض يمنحنا التكامل؛ فالحمدلله على نعمه ما ظهر منها وما بطن.

تعليق عبر الفيس بوك