إجازة سعيدة خارج الحدود

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

 

الحديثُ عن "نزوح" العمانيين إلى الخارج في كل مُناسبة رسمية وغير رسمية حديث مكرر، ومعاد، ومستمر، والسؤال المطروح دائما هو: من يتحمل أسباب وتبعات هذه "الهجرة" الجماعية التي لا تنتهي؟ ومن المسؤول عن هذا الاستنزاف المالي الذي يذهب للخارج خلال أيام معدودة؟ وما الذي يميّز القطاع السياحي لدولة ما عن دولة أخرى؟ وهل نحن فعلًا نسير على الطريق الصحيح لتطوير السياحة بشقيها الداخلي والخارجي أم أنَّ التنظير والتأطير التقليدي يغلب على تفكير المسؤولين عن القطاع السياحي لدينا؟

الحقيقة التي ذكرتُها في مقال سابق تقول: إنّنا ما زلنا نتغنّى بالسياحة الداخلية، ويحاول البعض تزيين صورة الواقع، بنشر صور المواقع الطبيعية المحلية، ورسمها على أنها المكان الأفضل لقضاء الإجازات العائلية، ويعملون على الترويج للأودية، والأفلاج، والمواقع الأثرية، والشواطئ وغيرها. لكن.. ما الذي قدمته الحكومة للترويج لهذه السياحة؟ وما هي المشاريع الخدمية المساندة التي أنشأتها في هذه المواقع لجذب السائح؟ وكم هي المواقع التي يتوفر فيها خدمات أساسية كدورات المياه، والمصليات، والمقاهي، وألعاب الأطفال وغيرها؟ وهل هذه الأماكن فعلاً هي المكان المثالي لقضاء إجازة سعيدة؟!

إنّ هذه "الهبات الطبيعية" البكر التي منحها الله لبلادنا ما زالت بدائية في خدماتها، وما زالت تشكو التطوير والنظرة العميقة من المسؤولين، بل لا أعتقد أنه يوجد لدينا موقع سياحي متكامل الخدمات، وهذا في حد ذاته إهدار للدخل الاقتصادي العام، وتقصير في حق القطاع السياحي الذي تعتمد عليه دول وكيانات كثيرة في هذا العالم، رغم أن الإمكانات الطبيعية لتلك الدول أقل مما هي لدينا، ولكنها استعاضت عن ذلك بإنشاء صناعة سياحية ضخمة تكاد تعتمد عليها في اقتصادها، لأنَّ المسؤولين في تلك الدول خرجوا من الصورة النمطية للجذب السياحي، وفكّروا "خارج الصندوق" التقليدي الذي يسيطر على تفكير الكثير من المسؤولين في دول أخرى، وأُتيح للقطاع الخاص لديهم المشاركة بصورة جادة وحقيقية في تطوير القطاع السياحي من خلال استثمارات واعدة وضخمة، وليس مجرد منح أراضٍ للتجار دون رقابة أو محاسبة، وأزالت تلك الدول القيود البيروقراطية العقيمة، وتجاوزت العمل الاستثماري السياحي التقليدي من خلال أفكار ابتكارية ذات طابع معماري جمالي جاذب، ولم يقيدوا المستثمر بذلك البناء النمطي الجامد، ولم يضعوا أمامه العراقيل والتعقيدات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبذلك نمت السياحة لديهم، وانتعش الاقتصاد، وأصبح القطاع السياحي رقمًا صعبًا ذا عائد اقتصادي يُعتمد عليه في الدخل القومي.

نلوم المواطن أحيانًا على ذلك التهافت غير المبرر لقضاء إجازته خارج الوطن، لكننا نعذره في نفس الوقت؛ لأنه لم يجد في بلاده ما يُغريه للبقاء؛ ولأن خيارات السياحة الداخلية محدودة للغاية؛ بل تكاد تكون معدومة في كثير من المواقع، ولذلك يشد المواطن رحاله إلى أماكن أخرى خارج وطنه يتوافر له فيها ما يحتاج له لقضاء إجازة سعيدة وآمنة، رغم كل الصعوبات التي يواجهها في رحلته.

ولكن.. إلى أن يتم تطوير القطاع السياحي في بلده، سيبقى الوضع على ما هو عليه، لذا فإنَّ هذا القطاع الحيوي يحتاج إلى الابتكار والإبداع في الأفكار، وليس إلى ذلك التفكير التقليدي المتزمت الذي لا يثمر إلا مزيدًا من التأخر عن ركب السياحة العالمية.