◄ بلغ السيل الزُبى تجاه المحاولات المُستميتة للتطبيع مع "الشذوذ الجنسي"
◄ "كأس العالم" تفضح ازدواجية معايير الغرب واستمرار عجرفته الاستعمارية
◄ الإمبريالية العالمية تحقد على العرب والمسلمين وتستنكر تقدمهم في أي مجال
◄ إقرار الغرب باغتصاب الحق الفلسطيني وقتل الأبرياء يؤكد انهيار حضارتهم
حاتم الطائي
منذُ بدء الخليقة والمعركة الوجودية بين الخير والشر، الحق والباطل، الجمال والقُبح، الأخلاق الحميدة والذميمة، الموضوعية والانحياز، الوضوح وازدواج المعايير، وغيرها الكثير من الثنائيات، قائمةٌ لا تنتهي، طالما استمرت الحياة، وواصل بنو البشر مساراتهم في هذه الحياة، بما يعتريها من منعطفات ومنحدرات، ومرتفعات وروابٍ، إنها امتدادٌ لفلسفة الخلق، التي ترتكزُ في جوهرها على قاعدة الاختيار بين الفضيلة والرذيلة، الصح والخطأ، وليتحمل كل فردٍ مسؤولية وتبعات اختياره، لكن المؤكد أنَّ قيم الخير والجمال والعدل والحق تعلو فوق ما سواها.
نقول ذلك وقد بلغ السيل الزبى، تجاه ما يُمعن الغرب المُتعجرف في مُمارسته بحق شعوب العالم، نعترض بصوتٍ مُرتفع على موجة النفاق الشنيعة التي يقوم بها الكثيرون ممن يُسمّون أنفسهم "العالم المتقدم"، نرفض رفضًا قاطعًا تلك الازدواجية الفجة في المعايير، وتعمُّد الإساءة لشعوب لا ذنب لها سوى أنَّها ترغب في العيش بسلام ووفق قيمها وأخلاقها وأعرافها، دون المساس بالآخر. لا شك أنَّ القاصي والداني بات يعلم تمام العلم أنَّ ثمَّة تيار واضح حول العالم يضغط باتجاه التطبيع وقبول الشذوذ الجنسي أو ما يُسمُّونه حاليًا "المثلية الجنسية"، تحت زعم "حقوق الإنسان"، والواقع أن الحقوق بريئة من هذه الممارسات التي ترفضها الحيوانات غير العاقلة، فما بالنا بالإنسان الذي أُنعِم عليه بنعمة العقل والتفكير. فخلال الأعوام القليلة الماضية، تصاعدت موجة منح هذه الفئة الشاذة "حقوقها"- كما يزعمون زورًا وبهتانًا- فتهافتت دولٌ أو أشباه دول لسن تشريعات تُبيح زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، وضُخت المليارات من أجل ترسيخ تلك الثقافة المُتدنية، كي ينشأ الصغار على التطبيع مع هذه المسألة، فلا يرون فيها ضررًا ولا يستشعرون فيها تعارضًا مع القيم السويّة. تسابق منتجو الأفلام، وخاصة بعض منصات المحتوى المرئي ذات الشعبية الكبيرة، في إنتاج أفلام وبرامج ومُسلسلات تتعامل مع الشذوذ الجنسي على أنَّه سلوك طبيعي علينا أن نتقبله. والأمر لا ينتهي عند هذا الحد؛ بل صار من يعترض أو يرفض أو يستهجن أو حتى ينتقد المثلية الجنسية، مُخالفًا للقانون ومُنتهكًا للحقوق ويستوجب الأمر مُحاكمته!! هكذا بين عيشة وضحاها تحول المجرم إلى بريء، وصار البريء مجرمًا!
تجلَّت هذه المعايير المُنحطَّة بقوة في كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها دولة قطر الشقيقة بنجاح فاق التوقعات، فخلال الأشهر القليلة التي سبقت انطلاق المونديال، شنت وسائل إعلام غربية وزعماء سياسيون وشخصيات عامة ومشاهير حملة شنعاء على دولة قطر، وهاجمتها بكل ما أوتيت من قوة، ومارست أسوأ أنواع التشهير بالباطل، فتحدثت عن "حقوق" العمال الذين شاركوا في بناء ملاعب كأس العالم، وضغطت بشدة في بيع المشروبات الكحولية بالقرب وداخل الملاعب التي تُقام عليها البطولة؛ بل ووصل الأمر أن طالبت بحرمان منتخبات بعينها من المُشاركة! أزمة هؤلاء أنهم يؤمنون بعقلية "الرجل الأبيض"، التي ارتكز عليها الاستعمار على مدى قرون عدة، وارتكب باسمها مذابح شتى في مُختلف بلدان العالم، والآن هم يمارسون ذلك الاستعمار في صورة مغايرة عمَّا سبق، يريدون فرض آرائهم ووجهات نظرهم على الجميع، من منطلق أنهم الوحيدون القادرون على إدارة شؤون العالم، وأنهم الوحيدون أصحاب القوة والتكنولوجيا، وما أحقره من باطل يتشدقون به، وما أرذلها من أفكار عنصرية تتعارض أساسًا مع ما يدعون عن حقوق الإنسان. تصاعدت حدة الهجوم على قطر، عندما قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" حظر شعارات المثلية أو أعلامها وغير ذلك، فقامت الدنيا ولم تقعُد!
اتحدت قوى الإمبريالية العالمية ضد منح دولة عربية مُسلمة حق استضافة كأس العالم، أهم حدث كروي يترقبه الملايين كل أربع سنوات، يسعون لمُعاقبة قطر ليس لأنها تُريد الحفاظ على قيمها وتقاليدها وحسب؛ بل لأنها تصب جام حقدها وحسدها على دولة تمكنت في أقل من 12 عامًا من بناء منظومة مُتكاملة من البُنى التحتية، من استادات عملاقة مجهزة على أعلى مستوى، ومترو أنفاق مُذهل، وطرق وجسور تضاهي الدول المتقدمة بل وتتفوق عليها، ومطارات قادرة على استيعاب الملايين من المسافرين.. هكذا رأينا الهجمات الشرسة تتوالى واحدة تلو الأخرى، صحف ووسائل إعلام كبرى في بريطانيا وألمانيا وأمريكا وغيرها من دول الغرب، تطلق سهامها السامة على كل ما هو عربي، حتى إن هيئة النقل العام في بريطانيا حظرت نشر إعلانات مدفوعة تروّج للسياحة في قطر!!!
لقد تناسى هؤلاء أن الحقَ أحقُ أن يُتّبع، وإلا أين هذه الحقوق عندما يتعلق الأمر بالشعوب القابعة تحت نير الاحتلال الغاشم، فها هي فلسطين مُحتلة منذ ما يقارب 75 عامًا، والمحُتل الصهيوني يُمارس أشنع سُبل القمع والتهجير القسري، واغتصاب الأراضي، والقتل دون وجه حق، والاعتقال بلا تُهم أو محاكمة، وهدم المنازل، وتدنيس المقدسات الدينية، وغيرها الكثير من الجرائم التي يجب أن يُحاكم عليها، لكن في المقابل يُكافَأ على فعلته، فيحصل على أعتى الأسلحة فتكًا، ويحظى بالمُعاملة التفضيلية في تجارته واقتصاده، ويتمتع بأقصى درجات الحماية الدولية، فصار أن حصل المُحتل القاتل على شرعية دولية.. مُزيفة لكنها فاعلة. لم يسأل أحدٌ عن حقوق الفلسطينيين في بناء دولتهم المُستقلة، في أن ينعموا بخيرات أرضهم وبحارهم وسمائهم، في أن يُحاكِمُوا قتلة الأطفال والنساء والشيوخ.. أين قتلة الطفل محمد الدرة، والشيخ القعيد أحمد ياسين، والإعلامية شيرين أبوعاقلة، وغيرهم الآلاف ممن لا تحصيهم القوائم؟ متى نجد الغرب يُدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني كما يُدافع عن حقوق الشواذ؟
مرة أخرى أين حقوق الإنسان التي ينادون بها عندما يرتبط الأمر بمأكل الفقراء ودوائهم، ماذا فعل الغرب "المُتحضِر"- كما يزعمون- للحيلولة دون وفاة الأطفال جوعًا في اليمن والصومال وسوريا ومخيمات اللاجئين أو وفاتهم غرقًا أو تجمُّدًا في مراكب وسفن الهجرة عبر البحار، وغيرها؟ ما الذي قدمته الدول التي تدافع عن الشواذ لتقديم الدواء للشعوب الفقيرة التي أعيتها الأمراض الناتجة عن الصناعات الضارة بالبيئة وما أحدثته من اختلالات بالمناخ؟ ألا يبيعون الأدوية والأمصال واللقاحات بأثمان باهظة، بينما يتركون المخدرات والأسلحة تنتقل بين النَّاس في دول الصراع بأثمان بخسة؟! ألم تمارس الدول الكبرى القرصنة البحرية للاستيلاء على سفن المعدات الطبية وأجهزة التنفس خلال جائحة كورونا؟ ألم يبيعوا اللقاحات بأسعار مرتفعة لجني الأرباح على حساب صحة الفقراء؟ ألم يمنحوا الغرب الأولوية في الحصول على كميات هائلة من هذه اللقاحات، فبينما كانت تلك الدول تقدم الجرعة الثانية من اللقاحات، كانت دولٌ أخرى لم تمنح مواطنيها حتى الجرعة الأولى!!
أيُ عدالة تلك، وأيُ موضوعية هذه، وأيُ حقوق يزعمون أنهم يدافعون عنها؟ إنها حقوق الزيف والبهتان، حقوق التدليس والنفاق، حقوق التعالي والكِبر، حقوق الكذب والافتراء، حقوق التزوير والتضليل، أو بالأحرى إنها انهيار القيم الإنسانية لحساب الغرائز البهيمية.
ويبقى القول.. إنَّ العالم أمام مفترق طرق حقيقي في الدفاع عن القيم الإنسانية القويمة باعتبارها حقا أصيلا (محاربة المثليين مثالًا)، فإمَّا أن تنتصر الفطرة الإنسانية السليمة، أو تسود العالم صفات البهائم ويستشري القُبح والشذوذ.. إما أن نصون الحقوق- وفي المُقدمة حقوق المُستضعفين- أو أن نتنازل عن إنسانيتنا وقضيانا العادلة.. إما أن نقول قولة الحق بصوت جهوري نيلًا للمطالب المشروعة وإعلاءً للخير، أو نصمت إلى الأبد، فتتداعى حضارتنا المعاصرة كما تداعت أمم من قبلنا، حادوا عن جادة الصواب، وساروا وراء غرائزهم وشهواتهم الدنيئة، وابتعدوا عن أداء رسالة الإنسان المُستخلَف في الأرض، من أجل التعمير والبناء والتعايش مع الآخر وتقبُّل الاختلافات، في اللون واللسان والأفكار.. فلمن ستكون الغلبة؟!