كرة سياسية لا أخلاقية

 

مسعود الحمداني

samawat2004@live.com

مُنذُ أن وعينا على الدنيا ونحن نسمع عبارة "الفصل بين الكرة والسياسة"، حتى بتنا نعتقد أن العالم الذي تفرّقه السياسة تجمعه الكرة، غير أنَّه يبدو أننا لم نكن مُحقين في ذلك، أو أن الشعارات التي يرفعها الغرب لا يُطبقها حين لا تتفق مع سياساته، وثقافاته.

لن أتحدث هنا عن تلك المعايير المزدوجة التي نعرفها جميعًا، وتدخلات السياسة في الكرة، وتنسف المقولة السابقة من جذورها، وهذا ما تجلّى في كأس العالم المقامة حاليًا في دولة قطر، فتلك الهجمة الشرسة التي واجهت الدولة الخليجية المسلمة لم يكن المقصود بها قطر في حد ذاتها؛ بل كانت حملة مسعورة ممنهجة، ومخطط لها مسبقًا، ولم يكن كأس العالم إلا بوابة الغرب لتنفيذ المخطط، تمهيدًا لاكتساح مُثل وقيم العرب والمسلمين دون استثناء، وهدم قيمهم، وإحلال الفوضى الأخلاقية في كل مكان من الكرة الأرضية.

ولعل كأس العالم كان البداية، ولكنها لن تكون النهاية بكل تأكيد.

وما المنظمات التي تتخذ من "حقوق الإنسان" شعارًا لها، والتي تتبنى تلك الهجمات من أجل قطيع من المثليين، وعابري الجنس، إلّا أداةً لتنفيذ المخطط، ووجدت في كأس العالم أفضل وسيلة لترويج تلك الدعوات لخلع عباءة كل ما هو ديني، وإسلامي، ونجحت في توجيه أنظار العالم إلى "قضية" مختلقة، ومغايرة للفطرة البشرية، وجعلتها قضية إنسانية عليا، ولا شك أنها رغم فشلها الذريع في تمرير أجندتها من خلال "الفيفا" في هذه الدورة، إلا أنها أخذت ما أرادت من توجيه تفكير المجتمعات المحافظة إلى القبول بالشذوذ كحق من حقوق الإنسان، وهذا هو الذي أرادوه بالضبط، رغم تمسك دولة قطر بالحد المقبول لدخول تلك الفئات المنحرفة، واشتراطها عدم ممارسة رذيلتها على أرضها.

لقد كان للغرب وسائله الخبيثة، وأهدافه البعيدة، منذ بدايات القرن الماضي وما قبله، في فرض الفوضى الأخلاقية في كل بقاع الأرض، وتحويل العالم إلى مجرد وكر دعارة، يمارس فيه الشذوذ دون خجل، ولا مكان فيه للفضيلة والعفّة، وتبنّى بعض العرب والمسلمين- للأسف- تلك الدعوات، ودافعوا عنها، وأصبحوا أبواقًا للرذيلة الغربية؛ حيث بدأت الدعوات في أول الأمر بتحرير المرأة في شكله المقبول منطقيًا، وإنسانيًا، وتلقفته النساء بترحاب كبير، غير أن دائرة المطالبات اتسعت لكي "تشرعن" للزواج غير الشرعي، وتدعو لهدم كل علاقة أسرية من خلال قوانين لا تتوافق مع أي شريعة سماوية، ومرروا ذلك في مواثيق الأمم المتحدة، ومن خلال معاهدات تضمن تفكيك المجتمعات، وإضعافها، وتدمير العلاقات الزوجية والعائلية، وللأسف الشديد وقعّت معظم الدول الإسلامية على تلك المعاهدات، وعدّلت قوانينها وتشريعاتها، بما يتوافق مع أجندة الغرب، واستسلمت لكل ما طُلب منها دون أي تحفظ أحيانًا.

وبعد أن نالت "حقوق الإنسان" ما خططت له، وحققت هدفها الأهم، وهو تفكيكك العلاقات بين أفراد البيت الواحد، تحت شعار "حرية الفرد الشخصية"،  جاء أوان الهدف الثاني والذي ستناله عاجلًا أم آجلًا، وهو فرض "الشذوذ الجنسي على العالم كله، وأوله العالم الإسلامي والعربي، وأطلقوا عليه أسماءً بدأ الكثيرون يرددونها دون وعي مثل "المثليين" و"مجتمع الميم"، و"عابري الجنس"، وغير ذلك من أسماء تحاول تجميل الصورة، وتحسين الفساد الأخلاقي، وأعتقد جازمًا أنها ستنجح فيما تسعى إليه؛ لأنَّ الطرف الآخر طرف ضعيف، لا يقاوم طويلًا، ويسعى لبرهنة "حداثته" للغرب، واحترامه لحقوق الأفراد، بكل السبل، وسنجد يومًا لن يكون بعيدًا، أنَّ المثلية الجنسية أصبحت حقًا من حقوق الإنسان؛ بل وسيعاقب كل من ينبذ هذا السلوك المنحط، ويدافع عن القيم والمُثل الإسلامية، وسيكون الهدف التالي لجماعات "حقوق الإنسان" هو حرية "زواج المحارم" ولن يكون ذلك إلا لبنة من البناء الدراماتيكي لعودة الإنسان إلى عصر "حيوان الغابة".

لقد كان كأس العالم في قطر ضربة البداية لتمرير الأجندة الغربية الشاذة، ولكنها لن تكون المحاولة الأخيرة للوصول للهدف الذهبي، ولن يكون ذلك إلا مسألة وقت لا أكثر، وقريبًا سنرى أثر ذلك في تغيير قوانين وتشريعات كثير من الدول الإسلامية،  وانتظروا إنّا معكم منتظرون.