د. صالح الفهدي
إِذا كانت بطولة كأسِ العالم المقامة في قطر منافسةً كرويةً فهي لا تقلُّ في كونها منافسةً قيمية بين الغربِ والشَّرقِ خاصَّةً العربيّ المسلم الذي يعتزُّ بدينهِ وقيمه، ويحفظُ كرامتهُ وعزَّته، وشرفه.
بيدَ أنَّ المرءَ الرشيد ليتساءل عن هذا الدفعِ الهائج المجنون للانحلال والتبذلِ من الغرب، بل وفرضهِ لما يسمِّيه بقيم الليبرالية الحديثة، وهي قيمٌ تعارضُ الفطرة الإِنسانيةَ، وتعاكسُ طبيعتها التي خُلقت عليها في هذا الوجود الإِنساني المكرَّم من الله في أصلِ خليقته.
قُلتُ في يومٍ من الأَيام لأحد الغربيين: إن الذي ينحدرُ بمجتمعاتكم إلى الحضيض ألخِّصهُ في كلمة واحدة هي "الحريَّة"، وفي بدايات القرن الواحد والعشرين سمعتُ خطابًا لرئيس وزراء بريطاني يقول:"لا حريَّة بدون مسؤولية" ولكن كانَ مجرَّد شعار، فحينما سألني أحد الإِيطاليين المقيمين في إنجلترا عن العلاج من السقوط المدوِّي، قُلت: الرجوع إلى الدِّين، وعودة القيم النبيلة، فردَّ علي: لقد فاتَ الأَوان!!
يريدون فرضَ انحلالهم في ترابنا الطاهر، ووسط مجتمعاتنا التي لا تجدُ لها من رأسِ مالٍ أعظمُ من دينها، وقيمها، وشرفها، وتعلم تمام العلم بأنَّ سقوط القيم السامية هو سقوط مذلٌّ للهويةِ، وسقوطُ الهُوية يعني ضياع المصير.
لكننا نرى الوجه المشرقَ أيضًا من هذا الدفعِ الغربي المشين لتبنِّي سفالاتهم، وانحرافاتهم، وهو "الفزعة" لنصرة دين الله، وإعلاءِ كلمةِ الحقِّ، والاعتزاز بالهوية العربية الإِسلامية، وقد أَحسنت دولةُ قطر في استدعاءِ أشهر الدُّعاةِ وعلى رأسهم الداعية الشهير ذاكر نايك الذي جاءَ بعد سنواتٍ من الإِقصاء وتلميذ الداعية العظيم أحمد ديدات، وتقاطر الدعاة إلى قطر، وابتدأت البطولة بالقرآن الكريم، ويسَّرت كافة السُّبل لفهم الإِسلام، وتنفيد الافتراءات ودفع الأكاذيب التي كرَّسها الإِعلام الغربي المؤدلج في الغرب.
الغربُ الذي يتَّجهُ بصورة سريعة إلى منحدر الإِسفافِ والضياع الأخلاقي يكتبُ نهاياته بألسنةِ العقلاءِ من أهلهِ، والنبلاءِ من أعلامه، الذي تهافتوا للتحذير من هذا المنحى المنحرفِ الذي يعني تلاشى الشعوب برمَّتها فهي على الرغم من ضآلة النسل فيها، وسقوط مفهوم الأُسرة، فإنَّها تتَّجه إلى ما هو أشنع وأفضع من ذلك وهو المثلية والتحوُّل الجندري لتُنهي بذلك وجودها بعد حين، والمؤشراتُ واضحةٌ في هذا الصدد.
وفوق ذلك يريدون أن يعلِّموا الآخرين الأخلاقيات، ويفرضونها بالإِكراه عليهم في بلدانهم، يقول اليوتيوبر الأمريكي مات وولش Matt Walsh: هذه قطر، هذه بلادهم، ويأتي غربيون بيض يقولون: أنا لا أحترم عاداتك، لا أحترم معتقداتك، سأفعل ما أريد في بلدك، وسأخبرك كيف تدير بلدك، قوانينك لا تعني لي شيئًا لأنني الرجل الأبيض الغربي، وسأكون الحكم في الأخلاق، مصدر الأخلاق، لقد أعدمنا 60 مليونًا في الرحم (بسبب الإِجهاض)، نحن مرتبكون تمامًا، نحتفل بالشرِّ والفجور، ثم نعتقد أننا في وضع يسمح لنا بالذهاب لاستعمار الكرة الأرضية أيديولوجيًا، وإخبارهم بأنهم يجب أن يكونوا مثلنا، لا أريد أن أكون مثلك".
يقول أحد الأمريكيين وهو طبيب عيون متحدثًا مع إِعلاميّ: أتعرفُ لماذا جئت للعمل والإِقامة في المملكة العربية السعودية؟ حكى له كيف أن ابنة جيرانهم الوحيدة التي ضحوا بحياتهم من أجلها لكنها ما إن بلغت الثامنة عشرة حتى ألقت حجابها، وخرجت من بيتها لتعيش في بيت عشيقها وسقطت في مستنقع الغواية، في المقابل تحطمت أمها نفسيًا وانزوت في بيتها منقطعةً عن العمل وهي تبكي ليل نهار، يقول: هذا الموقف شجَّعني على قرار السفر إلى السعودية خوفًا على ابنتي، مضيفًا أنَّه لا قيمة للمال في مقابل إيجابيات العيش التي لا يمكن حصرها في المملكة العربية السعودية والمدينة المنورة خاصَّة.
أختمُ مقالي بالقول بما رواه الشيخ محمد راتب النابلسي بعد زيارة له إلى أستراليا حين قال له رئيس الجالية هُنالك: سلِّم على إخوتنا في الشام وقل لهم: إنَّ مزابل الشام خير من جنان أستراليا.
لا أشكُّ أن كلَّ ما يحدثُ من الغربِ من أفعال مقيتة تناصرُ المنحرفين الشَّواذ لا يزيدنا اليوم إلا صلابة وقوةً بالتمسُّك بديننا، والاعتزاز بقيمنا، إذ لا يمكن لأي أمُّةٍ، ولا لأي قوة عظمى أن تفرضَ على أُمَّةٍ أُخرى ما تهوى وتشتهي من تبذُّلها وانحطاطها، إن كانت الأخيرة ذات شكيمةٍ وعزَّةٍ وكرامةٍ، وهذا ما كنَّا عليه، وسنكون بعون الله تعالى القائل في محكم التنزيل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: 7).