مهرجان صحار

 

د. خالد بن حمد الغيلاني

khalidalgailni@gmail.com

@Khalidalgailani

 

زرته بعد شهر ونيّف من نيله الثقة السامية لمولانا المُعظم؛ وتعيينه محافظًا لشمال الباطنة، زيارة كان الهدف منها السلام والتهنئة، وتعريف سعادته ببرنامج الدبلوم المهني الذي اعتمد كمسار مهني في عدد من أكاديميات التدريب، وبمباركة سامية كريمة من لدن مقام مولانا السلطان المعظم حفظه الله تعالى ورعاه.

بعد التحايا والسلام كما هو السمت العماني، بدأ سعادة محمد بن سليمان بن حمود الكندي محافظ شمال الباطنة، بالحديث بلغة لم آلفها لدى كثير من المسؤولين، لغة أرقام واضحة ودقيقة كأنما يتحدث من ملخص أو تقرير أمامه، تحدث عن القيمة المضافة لشمال الباطنة عموما ولصحار خصوصا، تحدث عن المحافظة مترامية الأطراف وعدد سكانها، وما تحتويه من إمكانات طبيعية ومادية، تحدث عن قربها من الشقيقة الإمارات وكيفية تعزيز ذلك واستثماره في مجالات تعزز الاقتصاد وزيادة الفرص الاستثمارية الرائدة. وبعد ما يزيد عن النصف ساعة بقليل بادرنا المنسق بتذكير سعادته بموعد آخر كان الهدف منه تنمية الموارد البشرية بالمحافظة باعتبار أن العنصر البشري هو المعوّل عليه في التخطيط والتنفيذ لمشاريع التنمية والتطوير. غادرنا ومن معي واستمر حديثنا عن ذلك الحماس شيئًا من الوقت، فالرجل جاد في حديثه، واثق من إمكاناته، لديه كل مقومات النجاح من فكر وطاقة، وقرب من الجميع، وتوفر للإمكانات، وقبل هذا وبعده ثقة مولانا السلطان ودعمه ومنحه الصلاحيات اللازمة والكافية للمحافظات.

مرت الأيام؛ وإذا بصديق عزيز كثيرًا ما اجتمعت معه في أعمال وطنية ومهرجانات تنفذها الأمانة العامة للاحتفالات الوطنية، يتصل بي طالبًا أن أكون ضمن فريق عمله، فشمال الباطنة تستعد لتنظيم مهرجان صحار، ولتحتفل بالعيد الوطني الثاني والخمسين المجيد، ولتوفر المكان المناسب والفرصة المواتية لأبناء ولايات المحافظة لمشاهدة مباريات كأس العالم في جو من الحماس والألفة.

هنا أدركت أن حديث ذاك اليوم كان جادًا وأن المحافظ يعمل على المضي قدمًا بشمال الباطنة نحو الازدهار، وأن هذا المهرجان واحد من تلك المشاريع التنموية القادمة بشكل متسارع.

وقبل انطلاق مهرجان صحار بيومين، شددت الرحال نحوها فحفل الافتتاح سيكون من خلال "أوبريت"، يحكي قصة عمان ويستشرف المستقبل في استخدام رائع للتقانة، وقالب فني متطور، وأداء متقن، وحضور مهيب.

فور وصولي لصحار؛ لم يسعفني الوقت لأخذ قسط من الراحة، ذهبت لموقع المهرجان، فإذا به مكان متسع كبير يربو على العشرة أفدنة في موقع غير بعيد من العمران، فإذا بالجميع خلية تعمل بجد واجتهاد، بادرت مدير عام البلدية هناك: ميدان جميل جدا، واسع بعض المحافظات تفتقد لمثله (وهنا الفرق في التخطيط)، ومهيأ للمهرجان، فإذا به موقع بدأت فيه الأعمال الإنشائية للبنية التحية منذ عشرة أيام فقط، وكأني به عمل أشهر، لكنها العزيمة والإصرار.

وهنا يتبادر سؤال؛ ماذا تجني محافظة شمال الباطنة من مهرجان صحار؟

المهرجان فرصة مواتية للتعريف بشمال الباطنة والفرص الاستثمارية بها وكيفية الاستفادة منها، كما أنه يمثل تجمعا عائليا شتويا رائعا، ويعزز القيمة التسويقية، وينشط الحركة التجارية. كما إن المهرجان يمنح الأسر المنتجة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة فرصة طيبة للتسويق لها وعرض نتاجها، ويفتح أمامها آفاقا من العمل والكسب تساعد في استمرار عطائها، ويتيح للموروث العماني الظهور والبروز في قالب من الفرح والسعادة والسرور.

ومع مباريات كأس العالم بقطر الشقيقة ووجود شاشة عملاقة طولها 24 مترًا ومدرجات معدة خصيصًا للجماهير، فإن هذا يمثل متنفسًا ويمنح الجميع متابعة المباريات في جو حماسي يشعرك بوجودك هناك في الملعب ووسط الحدث.

والمهرجان فرصة سانحة لإظهار المواهب المختلفة، وتحفيز القدرات لدى الكثيرين، وهو كذلك يمثل مساحة ثقافية جميلة في التعريف بالوجه الحضاري لشمال الباطنة ودورها التاريخي المرموق. وللقطاع الخاص دوره وحضوره اللافت في دعم وتفعيل فعاليات مهرجان صحار. وأجمل ما فيه أنه فرصة فتحت لعشرات الشباب من الباحثين عن العمل بشكل مؤقت في جميع لجانه وفرق عمله، مما حقق لهم دخلا ماديا، وفرصة لكسب بعض الخبرات وهذا لعمري هدف جميل ورائع، وله معانٍ سامية.

هنيئًا لأهل شمال الباطنة هذا المهرجان الرائع الجميل، والذي يعد نسخة أولى لنسخ قادمة لا محالة ستكون أكثر روعة وجمالًا ونجاحًا، ودعوة قلبية لمن يسمح وقته بزيارة المهرجان ألا يتردد في الزيارة، خاصة ونحن على مشارف إجازة العيد الوطني الثاني والخمسين المجيد.

وأختم مقالي بأمل أن تجد مثل هذه المهرجانات طريقها للتنفيذ في بقية المحافظات وفق إمكانات وتخطيط يكون له جدواه وصداه، ولابد أن يكون في كل محافظة وولاية مساحة خاصة واسعة لمثل هذه الأنشطة والبرامج. ولمن أراد النجاح في أي مهرجان ينظمه عليه توفير الإمكانات اللازمة لنجاحه، وليس تطويع المهرجان وفقاً للمتوفر من الإمكانات؛ هناك فرق كبير.

مبارك لكم جميعًا أهل الباطنة هذا المهرجان ومبارك لنا به

وكما يقول الشاعر:

وما استعصى على قوم منال

إذا الإقدام كان لهم ركابًا

دمتم بخير وعافية..