المشهد القانوني في عُمان

 

ظافر بن عبدالله الحارثي

dhafiralharthi@gmail.com

 

المراقب والمنصت لرأي عام المجتمع وأحاديث النَّاس يلاحظ الكم المعرفي الهائل لديهم حول التشريعات ومنظومة العدالة، وللوهلة الأولى عد ذلك من المؤشرات الحميدة الدالة على وعي الإنسان ووجود حِراك ثقافي قانوني موداها الاستقرار والإنجاز والأمان؛ إلا أن بسبب عدم سِلم هذه الحركة من موجات التسرع والجهل وعدم التفقه والبيان، أصبحت هذه الحركة مرهقة للمؤسسات العدلية، وتستنزف جهود المتخصصين لتسليطهم الضوء على صحيح القانون من عدمه، لتأتي أيضًا نقيضة لمبدأ العدالة الناجزة، لتحيد أخيرا عن الصراط الذي أريد لها أن تكون وتحقق.

القانون هو علم افتراضي يفترض المشرع علم الكافة بالقوانين، ويفترض كذلك حسن النوايا والانضباط، والانصياع طواعية النابع من فهم جوهر القانون، فلا عذر للإنسان إذ ما جهل القوانين، إلا أنه بسبب اللغة القانونية الجامدة نوعًا ما يجتهد الفرد غير المتخصص في استيضاح الإبهام ونشره مما يثير بعد ذلك حفيظة الآراء على اعتبار تعارضه مع إرادة الشعب، ليعود المتخصص بعد ذلك لقيادة الفهم الخاطئ نحو روح القانون ومقصد النص التشريعي، وهذه الحالة أصبحت ظاهرة كلما استجد جديد في الساحة التشريعية، لذا كان من الأجدر أن يراعي المشرع تلك الأمور والحرص على عدم النشر إلا بعد ضمان كتابة جامعة مانعة رصينة دقيقة تكون فيها الأخطاء قليلة لدرجة العدم، ودراسة متعمقة متمحصة، وهذا الأمر ينطبق كذلك على اللوائح والقرارات بكافة أنواعها على وجه التحديد.

أما الإسهاب التشريعي وخصوصا في نوع معين من القوانين؛ لهو أمر يربك مشتغل القانون في المقام الأول فكيف بالعوام غير المتخصصين، وهذا الأمر لربما يرجع لأسباب عديدة من أبرزها الثورة التي تشهدها الساحة التشريعية المتمثلة في تحديث التشريعات وإضفاء التعديلات وتجديد منظومة القضاء؛ إلا هذا الأمر يجب أن يقابله تنظيم وتوحيد وتجميع يمنع التشتيت ويقلل التأويل، كحال الأمر على سبيل المثال لا الحصر عند الحديث عن قانون الإجراءات الجزائية.

وعلاوة على ما سبق لا يكفي ضمان سلامة التشريعات إن كنَّا نريد نظامًا قويًا؛ بل يجب أن تتبعها وضوح وسلاسة في الإجراءات، على الأقل تلك الإجراءات الشارحة لسير الخصومة منذ بدايتها حتى الانتهاء، وطريقة الشكوى، وآلية التظلم، وإجراءات المحاسبة، وغيرها، كل ذلك لتكريس ثقة الإنسان بالمنظومة العدلية وعدم تقاعسه عن استئثار حقه لأسباب من الممكن إصلاحها.

الحديث عن المشهد القانوني يطول، خصوصًا عند التناول المسائل بتفاصيلها المهمة والتي في طياتها زواية ثقيلة يلمسها المتخصص، وفي هذا النطاق يجب الإشارة إلى أن مسألة كثرة مخرجات هذا القطاع وهذا التخصص يجب أن يقابلها وفرة في الفرص والتمكين والثقة والاستثمار، ومما لا شك فيه تعد هذه المسألة جزءًا من قضية كبرى وملف كبير من ملف تحديات المرحلة والتي نثق بأنها تأخذ منحى النجاح إن شاء الله في القريب العاجل.

للمقالة أهداف كسابقاتها من الكتابات القانونية التي تخدم هذا القطاع حبًا وحرصًا وغيرةً؛ ولكن في المقابل لا يمكن الحديث عن المشهد القانوني وتجاوز الإنجازات الكبيرة التي تحققها الدولة وأفرادها يوما بعد يوم في هذا القطاع المهم، من تقريب جهات التقاضي، وتسهيل الإجراءات، والتحول الإلكتروني المرن وغيرها التي تعد مفخرة لنا جميعا؛ بل ومحل تقدير واحترام؛ ولكن كما تم الإشارة سابقًا أعلاه، نكتب من أجل الارتقاء وبحسب ما تريد طموحاتنا من ارتقاء وهو توجه رؤية الحكومة؛ هذه هي رؤيتنا في المشهد حاليا، وقد يتجدد بنا اللقاء في مقالة تناقش المشهد بطريقة أخرى.

تعليق عبر الفيس بوك