المسار الصحيح للعلاقات الصينية الأمريكية

 

تشو شيوان

 

منذ سنوات والعلاقات الصينية الأمريكية متوترة إلى حدٍ ما خصوصًا مع تعمُّد الولايات المتحدة استفزاز الصين في العديد من المناسبات والأحداث والتطورات العالمية، وبات العالم ينظر إلى العلاقة بين البلدين على أنها على شفا حرب باردة جديدة، وتحديدًا بعد الحرب الجارية التي شنتها الولايات المتحدة ضد المنتجات الصينية لتسوية العجز التجاري بين البلدين.

في المُقابل، التزمت الصين بمبدأ التهدئة والدعوة للحوار والانفتاح، وقد ذكرت وبينت الصين موقفها في الكثير من المواقف مبرهنة للعالم أن الصين قادرة على الوقوف على بعد خطوات بعيدًا عن أي توتر سياسي أو اقتصادي يؤدي لنتائج لا تُحمد عقباها، وبذلك اكتسبت الصين احترام العالم في السيطرة على انفعالاتها وردود أفعالها وهذا ليس بالغريب فمن وجهة نظري أن الصين دولة مؤسسات ولديها نظامها الخاص والمتزن في التعاطي مع الأمور مهما كان حجمها وحجم تأثيرها.

قبل أيام أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعًا مع نظيره الأمريكي جو بايدن وقد تبادلا بشكل صريح ومتعمق الآراء حول مجموعة واسعة من القضايا المتعلقة بالعلاقات الثنائية والأولويات العالمية في اجتماع عقد قُبل قمة مجموعة العشرين في جزيرة بالي الإندونيسية، وقد وضعت الصين النقاط على الحروف لتبين وتحدد مسار العلاقات الثنائية بين البلدين اللذين يعدان الأكبر في القوة الاقتصادية والتأثير العالمي حاليًا. وبطبيعة الحال عندما يجتمع قادة الدول العظمى ويجلسون على طاولة المحادثات فإن أنظار العالم تتجه نحو هذا الاجتماع وتبدأ من بعدها سلسلة من التحليلات، ولهذا أردت من خلال هذا الطرح الوقوف على مسار العلاقات بين البلدين من وجهة نظر صينية وتحديدًا كيف ينظر الصينيون لمثل هذه المسألة، وكيف لنا أن نقرأ ما جاء بين السطور ونحلل المستقبل من خلال هذا كله.

نحن في الصين نؤمن بأن التاريخ أفضل مرجع لتجاربنا وخبراتنا، والتاريخ يقول إن السنوات الـ50 الماضية تشهد على حقيقة واحدة؛ أن الجانبين الصيني والأمريكي يكسبان من التعاون ويخسران في المواجهة، وقد استفاد العالم ككل إلى حد كبير من علاقات صينية- أمريكية مستقرة وصحية خصوصًا أن هذا يؤثر كثيرًا على السوق المالي والتجاري العالمي، ووجود نزاع بين البلدين يدفع ضريبته الاقتصاد العالمي بشكل كبير.

لنأخذ على سبيل المثال التجارة الثنائية، والتي جلبت فوائد هائلة لكلا الجانبين على مر العقود، وحتى في ظل التأثير المزدوج لجائحة كوفيد-19 والتعريفات الأمريكية الإضافية على الصادرات الصينية، تجاوزت التجارة البينية حاجز 750 مليار دولار أمريكي في عام 2021، وبلغ الاستثمار البيني 240 مليار دولار، ما يشير إلى مدى مرونة التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي، وهذا بالطبع يدفع الاقتصاد العالمي ويحرك السوق التجاري العالمي، ويمضي لبيئة اقتصادية أكثر استقرارًا، والصين تريد أن يكون العالم مسرحًا لتبادل المعارف والتعاون بدلًا من مسرحًا للتنافس الخاسر والتجاذبات السلبية.

وكما قال الرئيس شي للرئيس بايدن في الاجتماع الأخير، فإن ما تشهده العلاقات الصينية- الأمريكية الآن لا يتفق مع المصلحة الأساسية للبلدين والشعبين، ولا يتفق مع تطلعات المجتمع الدولي الذي يريد تهدئة النزاعات والخلافات العالمية فعالم لا يستحمل أبدًا نزاعًا جديدًا أو توترًا متصاعدًا، وكلنا نعلم تأثير النزاعات على معيشة الشعوب خصوصًا وأننا نعيش فترة صعبة عالمية يتخللها الحروب والنزاعات وعدم الاستقرار ومشاكل اقتصادية ومشاكل في الطاقة وأزمة غذاء، وهذا كله سيزداد في حال وجود خلاف صريح وواضح بين الصين والولايات المتحدة، ولهذا أجد بأن كلام الرئيس الصيني في محله فالمجتمع الدولي يريد التهدئة والمضي قدمًا لتسوية الخلافات والعودة لمسار التنمية العالمية.

ولكي نصل لعلاقة أو مسار متزن للعلاقات الصينية الأمريكية فإنه يتعين على واشنطن أن تضع في اعتبارها أن مبدأ صين واحدة غير قابل للتفاوض، ومسألة تايوان تقع في صميم المصالح الجوهرية للصين، وقد وعدت واشنطن باتباع سياسة صين واحدة، لكنها تحدت مرارًا وعن عمد الخط الأحمر الأول لبكين وتؤدي استفزازاتها الخطيرة إلى تآكل حجر الأساس السياسي للعلاقات الثنائية، ويجب على الولايات المتحدة أن تفهم جيدًا أن حل مسألة تايوان مسألة تخص الصينيين وضمن الشؤون الداخلية للصين، ويجب على الجانب الأمريكي أن يقرن أقواله بالأفعال وأن يتوقف عن لعب ورقة تايوان والقيام بمزيد من الاستفزازات، وأن يلتزم بسياسة صين واحدة والبيانات المشتركة الثلاثة بين الصين والولايات المتحدة.

إضافة لذلك، يجب على الولايات المتحدة احترام مسار التنمية في الصين. في هذه الأيام، تقوم مجموعة من المناهضة للصين في الولايات المتحدة بتلفيق رواية كاذبة عن "الديمقراطية مقابل الاستبداد". ويخططون بذلك لإثارة المواجهة الأيديولوجية بين البلدين والأعمال العدائية بين الشعبين، في حين أن الصين لديها نموذجها الخاص للتنمية والذي حقق نتائج عظيمة وبرهن نجاحه في الكثير من المواطن، وهذا المسار يناسب الصين والصينيين ولا مجال لأن يقارن بأي مسار أخرى حول العالم، وهذا المفاهيم على القيادة الأمريكية أن تفهمها وأن تبقى على طرف بعيد عنها.

خلاصة القول.. إن المسار الصحيح للعلاقات بين البلدين يعتمد على إلتزام الولايات المتحدة بمبادئ القانون الدولي وبمادئ العمل الدولي المشترك، وأن تحافظ على استقرار علاقتها بالصين بعيدًا عن الاستفزازات الصفرية التي لا تجذب إلا المشاكل والتوتر ليس للصين ولا للولايات المتحدة فقط بل للعالم بأكمله.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية