عائشة السريحية
وقفتُ أمام محل لطباعة بعض الأوراق، وإذا برجل يطرق علينا نافذة السيارة وينادي بصوت حماسي: "ملصقات، ملصقات، اختاروا شيئًا".. لم أعرف ماذا يقصد بملصقات، ولكني حين رأيته يشير لسيارته والعامل في المحل يلصق صور السلطان هيثم مرتديا بزته العسكرية ويؤطر الملصق علم عمان، ابتسمت وشعرت بالفرح، ليس لأن الرجل متحمس لجعلنا نقوم بوضع ملصق عليه صورة صاحب الجلالة أو رقم اثنين وخمسين فقط، لكني شعرت بالفرح لأن فرحة الوطن هي شعور عام نتنفسه في الأجواء، ونستشعر اهتمام الناس به بمختلف أطيافهم، كان الرجل مستمرا في إقناعنا ويقول: "وطنية وطنية.. هيا، هيا".
كان رجلا يبدو أنه تجاوز الخمسين عاما، أي أنه كان من مواليد النهضة المجيدة، ولابد أيضا أنه سمع عن معاناة الناس قبل عصر النهضة المجيد، وأن أبويه كانا يقصان عليه الفرق بين الجيلين، لابد أنه كان يسمع في طفولته عن أهمية التعليم والصحة والاقتصاد والأمن والمساواة، لا بد وأنه شهد بأم عينيه العمران والحضارة والتسارع في تشييد البنى الأساسية للوطن.
كنت بتسم أكثر، وعيناي تتبع حماسه وهو يشعر بإنجازه الصغير حين انتهى من وضع الملصق، وأحاول أن أتخيل شكل الملصق الذي سأضعه بدوري على سيارتنا، كيف سأنتقي الصور، وكيف سأختار الأجمل، وكلها جميلة!
هذا العيد بالنسبة لمحافظة ظفار جميل وفخم وبهي، فحضور المقام السامي أضفى البهجة والفرح لقلوب أبناء ظفار، جميع أبناء المحافظة متحمسون وفرحون بمقدم صاحب الجلالة، مجدد النهضة وقائد عمان وحامل الراية نحو المجد والعلياء، يستشف العابر في الطرق ذلك، والساكن في المنازل، والعامل في المصانع، والموظف خلف شاشات الكمبيوتر، والطلاب في المدارس والجامعات، والنساء في مختلف الأماكن، ترى تلك الهالة المضيئة التي تشع تفاؤلا وتنضح حبا.
إن مناظر الأطفال في المراكز التجارية والأسواق الشعبية، وهم يحملون سلالهم المليئة بالألوان الأحمر والأخضر والأبيض، مابين قمصان وقبعات وإكسسوارات زينة، ووشاحات وأغطية حماية للهواتف، وتسابق المواطنون لإقامة الأعياد على مستوى أسرهم وهم يحضرون لإحياء السهرات العائلية في أجواء وطنية، والمقيمين من غير العمانيين الشادين بالأغاني الوطنية العمانية، والراسمين بصدق مشاعرهم لوحات الفرح والبهجة، مشاركة وحبا لإخوتهم العمانيين حبا لهذا الوطن الغالي، كل هذا يجعلنا ننسى كل هموم الحياة ونعيش فرحة الوطن.
اتصلت بي إحدى الصديقات تسألني عن عباءة ارتديتها قبل مدة كانت تحمل ألوان العلم، محتارة في موديل معين، فضحكت وقلت لها:"لم الحيرة، ولم التفكير، انطلقي، وشاهدي محال بيع العباءات النسائية، سترين كل ما قد يخطر ببالك، نوفمبر ياعزيزتي بث فرحة عيده في الأجواء".
وحين ألجأ لهاتفي، لعلي أقرأ خبرًا أو أطلع على معلومة، أجد القصائد الوطنية، والأغاني والفعاليات تتلألأ على صفحات الشبكة العنكبوتية، إني أتنفس فرحة الوطن، في كل سكناتي وحركاتي.
نوفمبر ليس تاريخًا عابرًا في صفحات عمان، إنه تاريخ يشير لمجد وعظمة هذا الوطن، والتغيير الجذري الذي أذهل العالم، عمان في نصف قرن أصبحت ثقلا سياسيا ووجودا لا يستطيع العالم تجاهله، أو المرور على اسم هذا البلد مرور الكرام، بل إن السلطنة وفي خلال عصر النهضة صنعت مفهوما جديدا في الشرق الأوسط لمعنى الدولة العربية المسلمة الحضارية، أصبحت وسط الصراعات الدولية عنوانا للسلام، وفي عواصف القلاقل والحروب مفتاحا للخير ووجهة لحلحلة القضايا الإقليمية، رغم كم الخلافات التي عصفت بالمنطقة إلا أنها كسبت قلوب جميع الفرقاء، وارتضى بحكمها كل المتخاصمين، احترم سياستها وتوجهها الشرق والغرب، عمان صنعت في عقود قصيرة معادلة الوسطية والحياد وحققت نجاحات على المستوى القريب والبعيد، معادلة متفردة وتجربة يصعب تكرارها، من أين أتيتها ستجدها خيرا، وحبا، وسلاما، وأمنا، وأمانا، يبات ساكنيها في أمن وأمان، بلد تقطع الطريق من أقصى جنوبه لأقصى شماله مسافرا دون سلاح أو حماية، لأنك تعرف أنك تنعم بوافر الأمن والأمان، وأنها على رأس قائمة الدول التي سجلت فيها أدنى معدلات الجريمة، ناهيك عن الطبيعة الخلابة والمناظر السياحية والتنوع الجغرافي فمابين جبل وسهل ووادي وبادية، تجد ذات الفرحة وتسمع ذات النبضات التي حين تتحدث عن الوطن، كأنها تتحدث عن أرواحهم التي تسكن أجسادهم.
كل عام وأنت أيها الوطن بخير، وكل عام وهذا البلد الطاهر يسطر أمجاده، وكل عام ومولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المفدى، بخير.. وكل عام ونحن نحو العلياء سائرون.