الجمهوري والديمقراطي وجهان لحقيقة واحدة

 

علي بن مسعود المعشني

ali95312606@gmail.com

يُخطئ من يعتقد أنَّ السياسات الخارجية للغرب تخضع لبرامج الأحزاب السياسية ويُخطئ أكثر من يعتقد بأنَّ في الغرب صقور جارحة وحمائم وديعة، والخطيئة الكبرى أن يوجد بيننا من يعتقد بأن في الغرب من ينظر للأمور من زوايا يُراعي فيها قيم إنسانية أو شرعية دولية أو قانون دولي، فالغربي لا يرى سوى مصالح بلده بشكل كلي حتى وإن كانت على حساب مصالح وقيم البشرية جمعاء.

الغريب والمُلفت للنظر بالنسبة لي في وطننا هو اهتمامنا ومتابعتنا للانتخابات في الغرب وتتبع نتائجها وكأن صناديق الاقتراع ستحمل لنا حزبا أو جماعة تعترف لنا بالحق التاريخي لفلسطين أو تعتذر لنا عن حق الاحتلالات والدمار أو تعترف لنا بالحق التاريخي والحضاري في الحياة.

لم نستوعب بعد بأن الطيف السياسي في الغرب بمجمله لا يخدم سوى مصالحه العارية المُجردة من كل قيمة أخلاقية، ولم نُكلف أنفسنا ببذل قليل من الوقت والجهد لنستعرض تاريخ وخلفية الانتخابات والأحزاب في الغرب، لنتيقن أنها تختلف في الآليات فقط، ولكن لتحقيق ذات النتائج في النهاية وعلى رأسها السعي لتكريس سيادة الغرب وضمان تفرده وتكريس تبعية الآخرين للغرب.

كم مرة وصل الحزب الجمهوري وتعاقب الحزب الديمقراطي إلى السُلطة بأمريكا، وكم تناوبوا على مفردات الدولة العميقة ببلادهم ما بين الكونجرس والبنتاجون والبيت الأبيض، دون أن نرى منهم جميعهم أي خير لبلادنا وقضايانا، وفوق كل هذا وبعده ما زلنا نتأمل فيهم ونرتجي منهم الخير ونصنف هذا بالشرير وذاك بالخيِّر!!

والأمر ليس محصورًا في أمريكا فحسب؛ بل وحتى في بريطانيا والتي توهمنا أن حزب المحافظين هم يمين متطرف وأن حزب العمال هم أقرب إلى اليسار المتحرر، ثم نستعرض تاريخ الحزبين فنجدهما شريكين فاعلين في جميع الجرائم التي وقعت على أمتنا العربية منذ الظلم التاريخي المتمثل في "وعد بلفور" ومعاهدة "سايكس بيكو" التي فتتت البلاد وشتت العباد.

لم يتوقف الأمر عند نموذجي أمريكا وبريطانيا؛ بل نعرج على فرنسا وما أدراك ما فرنسا، والتي يوصفون زورًا ثورة جياعها بأنها ثورة القيم والحرية والعقد الاجتماعي ومفجرة عبقريات النضال، تلك الثورة المزعومة والتي أخرجت للبشرية أقبح وأقذر احتلالات عرفتها الإنسانية. ففرنسا التي تتشدق بالحريات والقيم شاركت في الحرب العدوانية على مصر العروبة عام 1956م (العدوان الثلاثي) مع بريطانيا والكيان الصهيوني، وهي تحت قيادة الحزب الشيوعي الفرنسي بقيادة جي موليه زعيمه ورئيس حكومة فرنسا! بل ووصلت السذاجة ببعض عرب زماننا إلى متابعة انتخابات الكيان الصهيوني معتقدين ومصدقين أن هناك صقورا وحمائم في أوساط هؤلاء العصابات المغتصبة!! وقد هلل بعضهم وتغاضى عن جريمة قانا عام 1996م بجنوب لبنان وباركها بصمته، اعتقادًا منه بأنها انتصار لحزب العمل (المعتدل) برئاسة الصهيوني (الحمامة) شيمون بيريز والذي يخلو سجله من أية رصيد جُرمي يُعزز من نصيبه في الفوز برئاسة الحكومة، وكأن وصول بيريز يعني تسليمه بالحق الشرعي والتاريخي لعروبة فلسطين وعودته كمواطن فلسطيني أو كلاجئ بها وكما كان!!

من عرفوا الغرب وكشفوا حقيقته لم يتسلحوا بالتسول له، ولم يقبلوا بأن يكونوا ضحايا لما يُسمى بـ"الشرعية الدولية"؛ بل تسلحوا باللغة والمفردات التي يفهمها الغرب من سلاح وعتاد، وتحملوا تبعات إراداتهم من حصار ومؤامرات وحروب مباشرة وحروب بالوكالة، وفي النهاية انتصروا وأصبحوا أرقامًا وازنة في المشهدين الإقليمي والدولي، واخضعوا الغرب وأجبروه على الخضوع صاغرًا لمصالحهم والتعامل معهم بنديّة لا بمنطق الأسياد والعبيد.. لهذا لا يكلفون أنفسهم بمتابعة انتخابات هنا أو نتائج انتخابات هناك لأنهم يعرفون موقعهم من الإعراب.

قبل اللقاء.. من لا يقرأ التاريخ محكوم عليه بإنتاج عثراته مجددًا.

وبالشكر تدوم النعم.