لحداثتها "تشحرنت"(2)

 

عائشة بنت أحمد سويدان البلوشية

من الملاحظ على اللغة الشحرية التي تعود إلى الحميرية القديمة أنها لغة قائمة بقواعدها النحوية وتصريفها للكلمات، وهي ميدان كبير للباحثين، كما أنه يلاحظ لمن يبحر عباب هذه اللغة أن متحدثيها يشنشنون، فهم يقلبون كاف الخطاب للأنثى شينًا، مثلما تفعل الكثير من القبائل التي تتحدث اللغة العربية، فعلى سبيل المثال تسأل الأنثى عن أولادها: ييناش بخير؟ بينما يسأل الرجل: ييناك بخير؟، وتسأل الأنثى كيف أمسيتِ؟: يلغمدش؟ وللرجل كيف أمسيت: يلغمدك؟، كما أن الأنثى تسأل ماذا تريدين: إينا عش؟ بينما يسأل الرجل: إينا عك؟ أما إجابات هذه الأسئلة جميعها فتبدأ بـ "عك" أما بقية الجملة فتنطق ولا تكتب.

 

عند بداية دراستي للغة الإنجليزية في جامعة السلطان قابوس درسنا عن بداية اللغات وتطورها، حيث كما جاء في الفرضيات أن الإنسان البدائي اعتمد على الأصوات التي تتكون من مقطع واحد ليسمي الأشياء، ليبدأ في بناء لغته المنطوقة، وهذا ما لا أتفق معه، لأننا كمُسلمين نعي جيدًا أن آدم عليه السلام قد علمه الله تعالى الأسماء كلها: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَاۤءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰۤئكَةِ فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِی بِأَسۡمَاۤءِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ }البقرة، ٣١، وأن اللغة بدأت منذ نزل الإنسان إلى الأرض.

 

اللغة الشحرية/ الجبالية رغم قدمها إلا أن لها من القواعد والأسس ما يدل على أنها لغة أصيلة لم تنتج من أصوات مفاجئة، أو صرخات بدائية، فعلى سبيل المثال لها ضمائر منفصلة وأسماء إشارة مفصلة للذكر والأنثى والمفرد والمثنى والجمع، فمثلا (هو) ضمير منفصل للذكر ينطق في الشحرية "شاه"، والضمير المنفصل للأنثى (هي) ينطق "ساه"، أما المخاطب المفرد للذكر يقال "هات" بمعنى (أنت)، والأنثى "هيت" معنى (أن -بكسر التاء-،  أما المخاطب المثنى (أنتما) فينطق "أتيه"، والمخاطب لجمع المذكر (أنتم) فينطق "توه"، وجمع المؤنث (أنتن) فينطق "تاه" أما (هما) فتنطق "أشيه".. وهكذا.

 

قام الإنسان الشحري أو الجبالي القديم بإطلاق أسماء على الحيوانات أو النبات أو الجماد التي تواجدت معه منذ بداية استيطانه الجبل، وبدء التواجد البشري له، فمثلا أطلق "لي" على (البقرة)، أما "أؤس" فأطلقه على (الماعز/الغنم)، و"تيرح" على (الحمار)، ولكنه عندما بدأ ينزل من الجبل للتجارة ربما أو للبحث عن الغذاء فقام بشحرنة المسميات التي وجدها حديثة على بيئته الجبلية فعلى سبيل المثال: "حيصون، دجوج، كوب، يروز، ذيروت" مسميات مشحرنة لمفردات عربية: حصان، دجاج، كلب، أرز، ذرة، هنا نلاحظ أن الكلمات الحديثة على الشحرية تطابق أغلب حروفها مع العربية تطابقا تاما، أما التي ألفها منذ وجوده فبقيت كما هي ولم يغيرها.

 

اللغة الشحرية/الجبالية لغة عتيقة عتق الوجود الإنساني في هذه البقعة الغالية من بلادي عمان، ومن الرائع أن نجد مستقبلا نشاطا ثقافيا بتدريس هذه اللغة في أشهر الخريف لمن أراد تعلمها في الطبيعة الاستثنائية للجبال، أو عبر موقع إلكتروني، لأن سماع اللغة الشحرية يعلم النطق الصحيح للمفردات.

 

------------------------------------------

 

توقيع:

جزيل الشكر للأخ الأستاذ عبدالله المشيخي الذي كانت له اليد الطولى في الإبحار في أعماق هذه اللغة الجميلة، نفع الله الجميع بعلمه.