محمد بن عيسى البلوشي
يبدو أنَّ كتاب "إدارة الموارد البشرية في القرن الحادي والعشرين" الصادر عن دار وائل للنشر للأستاذ الدكتور عبدالباري إبراهيم دره والأستاذ الدكتور زهير نعيم الصباغ من المملكة الأردنية الهاشمية الشقيقة، والذي خصه لنا الدكتور فواز الثوابية منهجًا لدراسة الموارد البشرية في رحلة بحثنا للدراسات العليا، كان هو الصندوق الذي حوى أسرار عالم الموارد البشرية ودوره المؤثر في دعم الدول النامية، والناصح الأمين للعلوم التي يمكننا كطلاب ماجستير الاستعانة بها لفهم واقع الحياة العملية بأسلوب علمي ومنهجي حصيف.
إنَّ أهمية الفصل الخامس من الكتاب والذي يتحدث عن "تحليل الوظائف" وارتباطها بالخطط الإستراتيجية للمؤسسات من أجل الوصول إلى هدفها الأسمى في تحسين وتجويد مخرجات أنشطتها وأعمالها وفق الإرادات الوطنية في تلك الدول، جعلنا اليوم نتطلع إلى تمكين مثل هذه العلوم المهمة وتنفيذها على أرض الواقع وتعظيم عوائدها بما يمكن مؤسساتنا العامة والخاصة من تنفيذ رؤية بلادنا العزيزة. ولا يمكن بأيِّ حال من الأحوال أن نتخذ قرارات إستراتيجية دون وجود معلومات وبيانات واقعية ودقيقة تحدد مسيرنا نحو أفضل الممارسات الفاعلة، وهذا ما توفره لنا خاصية التحليل.
المفهوم الشامل والجامع لـ"تحليل الوظائف" يتلخص بأنها "عملية جمع معلومات عن كل وظيفة بغرض التَّعرف على وصفها ومتطلباتها، ومواصفاتها وخصائصها وطبيعتها".ونتفق مع الأساتذة الكرام بأن تحليل جميع الوظائف في المؤسسات ستكون عملية مكلفة جدا ومرهقة أمام المؤسسات، وعليه يتم تحديد الوظائف التي يُراد لها التحليل ويتم على غرار المعطيات "نتائج التحديد" جمع الأعمال التي يقوم بها الفرد في تلك الوظيفة وكيفية القيام بها والوسائل والأدوات التي يستخدمها لتأدية الأعمال المطلوبة والمؤهلات والقدرات المطلوبة للقيام بتلك الأعمال وتحديد نتائج الأعمال من سلع أو خدمات.. ولكن السؤال: من يُحدد عينة تحليل الوظائف، وما هي الأسس والمعايير التي يستند عليها؟
واحدة من التحديات العميقة التي قد تواجه المؤسسات في رحلتها نحو تحليل الوظائف، هو الإجابة بدقة وموضوعية وكفاءة وشفافية: لماذا تود القيام بتحليل الوظائف؟ وما هي المشكلات الرئيسية والفرعية التي تحلها نتائج تحليل الوظائف؟، وعليه تعكس النتائج النوايا الصريحة التي تذهب إليها الأسئلة والأسباب، وتكشف قوة أو ضعف الأهداف الموضوعة، لأن تنبؤات القرن الماضي للقرن الحالي تنصح بأن تحليل الوظائف يساعد في الاختيار السليم للأفراد ويكشف قدراتهم ومؤهلاتهم ويفيد في تحديد مسارهم التدريبي في ضوء المعطيات ويقيس مستوى الأجور العادلة ويحدد قيمها وأوزانها ويحمي الموظفين من أخطار الوظيفة المحتملة ويساعد الإدارات المختصة في تحديد الموارد البشرية المطلوبة كما ونوعا.
لا شك أننا بحاجة ماسة إلى "تحليل الوظائف" في المؤسسات، ليس من أجل نظرتنا العامة بأنَّ بعض الموظفين يعملون والآخرين لا يعملون، أو لمعالجة ضعف إداري قد يكون غائرا بسبب قدم بعض السلوكيات الوظيفية، أو تأثير انتشارها في أنه يتم تقييم ممارسات الموظف على الوظيفة وليس متطلبات الوظيفة الحقيقية كمحور جوهري وأساسي، وإنما الحاجة الماسة هنا يأتي لوضع أهم الوظائف التي ستقوم بقيادة رؤية وأهداف وممكنات ومقدرات مؤسستنا المتنوعة والمتكاملة نحو تحقيق رؤية عمان 2040 والتي بلا شك ستكون متنوعة حسب الاختصاص والدور الوطني الذي تقوم به، وهنا يجب علينا أن نضع الأولويات وموازينها الحقيقية وكيفية قياس أثرها المتحقق وأيضًا أوزانها بدور الموارد البشرية في تحقيق أهداف المؤسسة الاستراتيجية والمتوسطة المدى.
تجربتي السابقة في سوق مسقط للأوراق المالية والتي امتدت لأكثر من 7 أعوام، والتي حدد معها مديرها العام آنذاك أن تكون هناك وظائف معينة تصب في جوهر الدور الرئيسي والعمل الأساسي الذي تقوم عليه المؤسسة، جعلني اليوم أتفهم أكثر الدور المهم الذي تقوم به الموارد البشرية في المؤسسات، وأيضًا أهمية تحليل الوظائف بما يتناسب مع الخطط الموضوعة والأهداف الإستراتيجية التي من المهم أن يكون جوهرها هو تحقيق رؤية عمان 2040.