للأصابع بكاء

 

منى بنت حمد البلوشية

الكتابة ليست بالأمر السهل، فهي لا تخرج هكذا بل تُصاب بعُسر ومخاض كالولادة تمامًا، فكل حرف يُنتقى بعناية تامة قبل أن يخرج  للملأ ويُقرأ، وكاتب تلك الحروف والأبجديات يصاب بنوبات من التعب، وأحيانا يصل لمرحلة من البكاء التي لا يعلم مكنونها سوى أنه أصيب بنوبة عسر وربما حبسة لا يعلم كيف يتخلص منها، محاولا العودة لما كان عليه من يسر في الكتابة.

عندما يبدأ الكاتب بالكتابة عليه أن يعلم ما الذي سيكتبه، وإلى أين سيصل كل ما يشدو به من حرف صادق؟ نعم للأصابع بكاء ووخزات كالإبر تصاب بها أطراف وأصابع الكاتب ولا أعمم ما أكتبه، ربما هناك خطب ما أصابه واستعصى عليه الكتابة وبكت أنامله مع عيناه قبل أن تذرف الحرف والكلِم، وابتلّت بها أوراقه  وجهازه اللوحي الذي تلعب أصابعه بالأزار لتكتب حروفها عليه.

كم يعتري الأصابع من أوجاع وآلام حالها حال باقي الجوارح عندما تصاب بوعكات صحية، وبكاء تلك الأصابع ما هو إلا بكاء الحروف التي تأبى أن تخرج هكذا وبكل يُسر، ولا تبوح إلا عنوة منها محاربة كل ما يجري حولها محاولة نسيان ما ألمّ بها واستجماع قُواها مُبرهنة أنها قادرة على أن تعود بأبجدياتها المزهرة والتي لا خيار لها غير الجمال والرونق الذي يكسو عباراتها حبا وعبرة وحِكما

فكل حرف يخرج منك قَبلِه واربت على كتف كل كلمة برفق ورحمة، وكل بكاء ينتابك دعه ينساب على أصابعك لتجد حلاوته بين أسطر سعيدة مُطرزة بعظيم من جمال أفكارك.  

سيعتري المرء من الأحداث ما يجعله يستعصي عليه كتمان ما يودّ قوله،  إلا أنه يجد في الكتابة ملاذا آمنا له، من كل عثراته، ستكون له الأمان من الصمت الذي يعتريه، فهي التي تعبر عن مكنونات ما حوله من فرح وحزن ومشاعر حالها حال القراءة عندما تكون  هناك علاقة حب وصداقة بين القارئ والكتاب، فهنا علاقة حب مع القلم والكاتب.

الكتابة ما هي إلا نتاج أفكارنا المتكررة، وهي طريقة لشرح كل الأفكار التي تراودنا، وكل أوقاتنا نحاول حَبك كل هذه الأحداث لكلمات وعبارات ليقرأها القارئ، ويصبح الكاتب قارئا لما كتب كغيره من القراء، إن وجد عيباً في كلماته وعباراته انتقدها وطورها لا يُخفي على نفسه ويكذب عليها متقبلاً لذاته كل نقد من قرائه ليكونوا جزءا من كتاباته وليرسم النقاط على الحروف من خلالهم، لتكون لوحة جميلة منتقاة بأبهى حلل الأبجديات.

وكل موقف نشاهده في حياتنا اليومية نحاول تحويله لعدة أفكار تندرج تحتها كل الصيغ التي تناسبها لتضيء عتمة وتخرج من الظلمات للنور، فــ"هدية الكتابة هي التدقيق الطبيعي للأفكار من أعماق القلب" ومن أجل ذلك " لم أقل قط إنني كنت سأكتب شيئاً ليجعل الناس يشعرون بشيء ما" وكل ما نكتبه أن نكتبه يستحق القراءة أو أن نفعل شيئا يستحق الكتابة.

هكذا يكون للأصابع بكاء حالها حال العين عندما يسيل منها الدمع لتخفف عما ألمّ بها من حزن وألم.. فنحن نتألم ونحزن ونفرح بالقلم والحروف، ونتنفس الصعداء بالكتابة وتكون ملاذنا وعزلتنا وصوتنا الذي يصل لكل من يقرأ لنا، وتستقر كل كلمة في عقل القارئ  وذهنه وكأنها كلمة تُقال له لا ينساها ولذلك علينا أن نحسن ما نكتبه؛ فالدموع هي الكلمات التي تحتاج إلى كتابتها ولنرسم النقاط على الحروف.

تعليق عبر الفيس بوك