بين "اختر أرضك" ونظام "من سبق لبق"!

 

 

د. يوسف الشامسي **

 

في هذا المقال أُلخصُ تجربتي في التَّقدم للحصول على أرض عبر النظام الجديد لوزارة الإسكان والتخطيط العمراني "اختر أرضك"، والذي بلا شك يحمل الكثير من الآمال والطموحات التي تسعى لتحقيقها الوزارة المُوقرة، كما تضع ذلك نصب رسالتها وقيمها.

وحديثنا هنا عبر وسائل الإعلام يأتي ترجمة لرسالة الوزارة الساعية "لشراكة مجتمعية محليا ودوليا" لأجل تحقيق رؤيتها الطموحة، بَيْدَ أن العوائق التي يتخللها هذا النظام تُثير الكثير من الملاحظات حول انفصام رسالة الوزارة وقيمها عن الوقائع التي يكابدها المواطن في سبيل الحصول على أرض لبناء بيته واستقرار أسرته في المخططات "الذكية"، ولنأتِ لبداية القصة مع النظام.

دعت الوزارة للتسجيل في الموقع وتحديث البيانات لكي يتم فرز أولوية الاستحقاق لمنح الأراضي السكنية؛ ولا أعلم حقيقةً مدى أهمية التحديث؛ إذ كل البيانات الأساسية الرسمية عن المواطنين متوفرة لدى الحكومة، الأهم ربما تحديث أرقام التواصل، وهنا تتجلى مشكلات النظام برمتها، وذلك لعدة نقاط‪:

* يعتمد النظام بشكل مباشر على دخول المستحقين للموقع الإلكتروني من خلال الرابط المرسل عبر الرسائل النصية، فإن كان الهاتف مغلقاً أو خارج التغطية، لأي ظرف مُعتبر، لن يتمكن المواطن من معرفة إدراجه ضمن المستحقين للاختيار إلا في اليوم التالي عبر قائمة الأسماء التي تنشرها وزارة الإسكان، وحينها سيضطر المواطن المستحق لـ"المراكضة" جيئة وذهابا بين دوائر الإسكان ومقر الوزارة ومكاتب سند، حتى تحلّ معضلة رابط التسجيل، بينما تصرّح الوزارة الموقرة بأن العملية تتم في "بيئة رقمية آمنة وسلسة وسهلة"!

* النظام يعتمد على أسبقية الدخول للموقع وحجز الأرض، وليس على الاختيار العادل وتكافؤ الفرص كما- للأسف- تروّج له الوزارة، وهذا ما يجعل نظام القرعة السابق أكثر إنصافا للمستحقين، خصوصا في المخططات التي لا تمنح فيها الأراضي إلا بالتقطير، فعلى افتراض تأخر استلام الرسالة النصية من وزارة الإسكان لساعة واحدة فقط، سيتبع ذلك اختفاء الخيارات التي تم حجزها ممن سبقوا في الدخول، وعلى هذه الآلية قد تختفي كل المُخططات المعروضة حسب نظام الأسبقية في دخول الرابط الإلكتروني، وسيتبقى مخطط واحد فقط بثلاث قطع ليختار منها المواطن، نعم.. ثلاث قطع فقط وفي مخطط واحد بلا خيارات أخرى، وهذا ما حدث بالفعل من تجربة شخصية وثلاث زيارات لدائرة الإسكان وزيارتين لمقر الوزارة وزيارة للمديرية العامة بالمحافظة، وكلٌّ يرمى الكرة في ملعب الآخر ويحمّل النظام المسؤولية، مع الاعتراف بغياب العدالة في هذه الحالات، التي يسميها مدير إحدى الدوائر (من سبق لبق!)، حتى استسلمت مضطرا لتسجيل الخروج كفافاً، لا لي ولا عليّ وأوكلتُ أمريَ كلّه لله.

* غياب الدعم الفنّي لدى دوائر الإسكان وما يتبعه من عدم وضوح آلية معالجة إشكالات النظام التي تعترض المستحقين، فإذا ما حدثت إشكالية فنية مع أحد المستحقين كعدم وصول الرسالة النصية أو عدم ظهور المخططات في الموقع، لا يملك الإخوة بدوائر الإسكان سوى تصريف المواطن- بدبلوماسية تحسب لصالح الوزارة- وطرح مختلف الأجوبة المحتملة وغير المحتملة التي قد تكون السبب في ذلك العطل، مع رفع أيديهم عن المسؤولية التي غالباً سببها "النظام الإلكتروني" الجديد عليهم، سيضطر المواطن المستحق لتحمّل "ضريبة النظام الجديد"- على حد تعبير أحد الموظفين- والتوجه لمقر الوزارة لتصحيح العطل إن أمكن أو الدخول في دوامة من المخاطبات البيروقراطية بين المواطن ودائرة الإسكان والوزارة (رسالة مرفقة بالوثائق مشفوعة بإلتماس لدائرة الإسكان ثم المرور في دهاليز الوزارة من إلى من إلى.. إلى أن يُبتَّ في الأمر) مع تفرغ المواطن التام طوال أيام المراجعات التي يقضّي فيها سحابة يومه.

الآن، وأمام هذه الإشكالات، نطرح بعض الحلول المقترحة- بُعيد خوض التجربة في الأسبوع المنصرم- والتي أرجو من المعنيين بالوزارة الموقرة وعلى رأسهم معالي الوزير الموقر الالتفات إليها تطويرا للنظام ومزيدا من التقدم نحو تحقيق الرؤية:

* تفعيل الربط الإلكتروني بين الوزارة وبقية المؤسسات، بحيث تستغني الوزارة عن تحديثات المستحقين، فالوثائق المطلوبة (وثيقة زواج، بيانات الأبناء وشهادات الميلاد) كلها مسجّلة رسمياً لدى شرطة عمان السلطانية.

* تحقيق الشفافية بإتاحة المعلومات حول أولوية الاستحقاق، كالنسبة المئوية المحددة لكل معيار وعدد المستحقين ذوي الأولية في القائمة والمدى الزمني المحتمل لكي يصل الدور للمستحق، هذه التساؤلات المهمة ينبني عليها تحديد خطط مستقبلية طويلة المدى يَحسِب لها الشاب المستحق الكثير من الحسابات، كلها معلومات غير مُتاحة لدى دوائر الإسكان، وإنما يتاح له معرفة النسبة المئوية عن حالة استحقاقه بشكل عام، فلا يدري أيشمله الدور بعد سنة أم بعد أسبوع، وكم عدد المستحقين الذين في قائمة الأولوية قبله، مما يضعه في مزيد من الإبهام والحيرة.

* الحل الأهم والعاجل هو تغيير نظام أسبقية التسجيل الإلكتروني، وتبني نظام اختيار المُخطط حسب الشواغر المُتاحة والأسبقية في قوائم الانتظار، وبالإمكان الاستفادة من تجارب الغير، فنحن أمام تجربة رائدة في المملكة العربية السعودية عبر نظام "سكني"؛ إذ يُمكّن النظام المُستحق من اختيار المُخطط الذي يرغب فعليًا في تعميره، فإن لم تكن قطع الأراضي متوفرة بذلك المخطط بإمكان المتقدم التسجيل في قوائم الانتظار، ومتى ما أتيحت أراضٍ جديدة في ذات المخطط يتم إشعار المواطن عبر التطبيق بإمكانية اختيار القطعة المناسبة، عوضًا عن إلزامه باختيار مُخطط لا يرغب به أو تأجيل فرصته لسنة كاملة!

لا شك إتاحة التسجيل في قوائم الانتظار في المخطط الملائم بالولاية أكثر أنصافًا للمستحقين وأجدر أن تأخذ به الوزارة لتحقيق رؤيتها المنشودة.

** أستاذ مساعد بقسم الاتصال الجماهيري

جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بنزوى

تعليق عبر الفيس بوك