مرحبا بـ"الميتافيرس".. المستقبل الجديد

 

أم كلثوم الفارسية

أتذكر قديمًا كان من جملة ما يروى من أخبار الغرائب والعجائب والتي يتناقلها الناس في مجالس السمر ليلا، أن السحرة لهم قدرة على الانتقال من مكان لآخر بعمل خط في الأرض وتخطي ذلك الخط يعني أنهم أصبحوا في المكان الذي يُريدونه.

كانت الفكرة مشاكسة ومفعمة بالجنون المحض، كما أتذكر أني حاولت مرار وتكرارا رسم هذا الخط وتخطيه لأجد نفسي في كل مرة في ذات المكان الشاهد في الأمر أني صرفت وقتا طويلا وأنا أتخيل لو كان هذا بالإمكان كيف ستصبح حياتنا! إلى أن سمعت عن أخبار من هنا وهناك تتحدث عن الميتافيرس الذي يحمل ذات فكرة خط السحرة المرسوم على الأرض، لكنه يعمل بقوة العلم لا قوة التعويذات السحرية وأنه بمجرد ارتدائك نظارة العالم الافتراضي تصبح في عالم آخر غير الذي تدوسه قدماك!

فما الميتافيرس الذي أحدث كل هذا الجدل والدهشة؟ وهل يستحق كل هذه الضجة؟

يبدو أن الموضوع غير قابل للتجاوز والتجاهل فهذه التقنية سوف تحول الإنترنت  العادي لعالم أشبه بالحقيقة خيال يصعب تصديقه لكنه قادم لا محالة خصوصا بعدما أعلن مارك زوكربيرغ مالك ومؤسس الفيسبوك عن تحول شركته إلى "ميتا" بمعنى أن "ميتا" أصبحت المظلة التي تضم تحتها فيسبوك وواتسآب وإنستجرام.

وتغيير الاسم لم يأتٍ عبثًا؛ بل كانت إشارة منه للعالم للتطور القادم والثورة القادمة ثورة الإنترنت المستقبلية.

الميتافيرس بمعناها اللغوي مشتقة من كلمتين (ميتا) وتعني ماوراء أو الموازي و(فيرس) وهي مشتقة من كلمة يونفيرس، والتي تعني العالم، وهكذا يكون معنى الميتافيرس العالم الآخر أو العالم الموازي أو ما وراء العالم.

والميتافيرس عبارة عن مكونين أساسين العالم الافتراضي (VR) والعالم المعزز (AR)، وعن طريق هذين المكونين يصبح المستخدم قادرًا على التفاعل مع الواقع الافتراضي عن طريق نظارات مخصصة لذلك، فيصبح قادرًا على مشاركة وقته مع أهله وأصدقائه وكأنه معهم بالضبط ولو كان مسافرا وتفصل بينهم مسافات طويلة كما تجعل التواجد في اجتماعات بين أعضاء في أماكن مختلفة سهلا حيث يجمعهم مكان واحد هو مكان الاجتماع في العالم الافتراضي. ناهيك عن أن بعض الدول خصصت فرعًا كاملًا في هيكلها الحكومي للميتافيرس، فهي تنهي معاملات العملاء دون الحاجة لوجودهم في العالم الحقيقي، كما إن هناك توجه كبير من قبل بعض الأطباء لتنفيذ عمليات جراحية عبر الميتافيرس كما يصفونها الأكثر دقة من العمليات الواقعية!

هو ليس خيال؛ بل محاكاة للحقيقة، وتحول العالم للعالم الافتراضي أصبح وشيكًا.

وعودة قليلًا إلى الوراء، عندما لم يكن الإنترنت في حياتنا كان ظهور الإنترنت حدثًا عجيبًا وثورة فائقة، وعندما انتقلنا من الإنترنت البطيء إلى السريع، انتابتنا ذات الدهشة، كما أندهشنا أيضا من ثورة الهواتف الذكية بعد الهواتف العادية، وكدنا نفقد عقولنا من هول الدهشة، عندما رأينا تقنية الهولوجرام التي من الممكن أن تجسّد لنا شخصًا وإن كان من الأموات؛ بل ويتكلم معنا أيضا!

هذه صور من الثورات الكبرى التي صاحبها ثورات موازية على كافة أصعدة حياتنا ونمط معيشتنا واختياراتنا في الأكل  واللبس والدراسة والسفر وأسلوب الحياة.

أما القادم فهو مختلف تمامًا ويمثل نقلة نوعية في تاريخ البشرية؛ حيث القدرة على اختراق العوالم والتواجد في مكان وزمان مختلف تمامًا عن المكان والزمان والشخوص الذين أنت معهم، سيجعل المستقبل البشري على المحك، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية والاجتماعات العائلية موجة جديدة ترمي بينا بشراسة في أحضان الفردانية والعزلة بعيدين كل البعد عن الحياة الحقيقية.

كيف سيسيطر الآباء على موجة الانفتاح العملاقة التي تنقل أبناءهم إلى كندا وأمريكا للتسوق وأسبانيا وإيطاليا لمشاهدة المباريات أو أي غرض آخر وهم في البيت وبين أربع جدران؟!

وعلى الصعيد الآخر كيف سيكون العالم وقد أصبحت الجامعات والمعاهد متاحة للجميع تقدم العلم والمعرفة دون أدنى عناء للسفر أو الغربة؟!

هذا العالم الغريب ليس ببعيد، إنه قريب جدًا، فهل نتخوف منه أم نرحب به؟!

تعليق عبر الفيس بوك