الاستثمار في النقل العام

 

أحمد الرحبي

تزايد مخرجات التعليم سنويًا يؤدي إلى توسع شريحة طلبة الجامعات والكليات والمعاهد، وبالتالي يؤدي ذلك بشكل طبيعي إلى تنامي شريحة الموظفين في القطاعين العام والخاص، وأن مواظبة والتزام هاتين الشريحتين، في الحضور في الوقت المحدد بدون تأخير، يرتبط بتوفر شبكة نقل عام، هذه المقدمة، تقودنا إلى خلاصة مُهمة وهي أن مشروع النقل العام من الأهمية بمكان، إنه هو الذي يقودنا إلى المستقبل، ويتيح الوصول لتحقيق الأهداف التنموية.

وأصبح توفير شبكة للنقل في السلطنة مطلبًا ضروريًا، على مستوى الشرائح السكانية في السلطنة؛ حيث نجد أن أغلب السكان في السلطنة، يتمنون توفر شبكة نقل عام، تخدمهم في مشاويرهم اليومية، وذلك في ظل الوضع الاقتصادي الضاغط على كاهل المواطن من حيث الالتزامات المعيشية الصعبة، والالتزام بدفع الفواتير من كهرباء وماء وهاتف وإنترنت، فيكون الالتزام بامتلاك سيارة في ظل هذا الوضع، ثالثة الأثافي، مع الأعباء التي تتحملها ميزانيتهم الشهرية في دفع الوقود الغالي الكلفة، بالإضافة إلى تكاليف الصيانة، وتكاليف التأمين والتجديد السنوي للسيارة.

والاستثمار في النقل العام في السلطنة، لا شك سيُحقق مكاسب كبيرة كمشروع استثماري يقوم على خدمة المجتمع؛ فالمجتمع بشرائحه المختلفة ينتظر خدمة النقل العام، الذي يتيح عملية التنقل بسهولة ويسر، في مدينة مسقط وعلى مستوى مناطق السلطنة. وعلى سبيل المثال من ضمن الشرائح الاجتماعية التي ترتبط في ضرورات تنقلها اليومي، بالنقل العام، طلبة الكليات والجامعات، وشريحة الموظفين في القطاعين العام والخاص، يضاف إلى ذلك شريحة المراجعين للمستشفيات، والمرتبطين بمواعيد في المستشفيات.

هاتان الشريحتان: شريحة طلبة الكليات والجامعات، وشريحة الموظفين في القطاعين العام والخاص، تتنامى سنويًا بأعداد هائلة، يشكلون زخمًا كبيرًا، ومكسبًا لا يفوت لأي شركة نقل، إضافة إلى الشريحة الثالثة والتي لا نتمنى زيادتها، وإن هي في الحقيقة شريحة لها وزنها في حسابات أي شركة نقل.

إذا نظرنا إلى هذه الشرائح الثلاث، ومدى حاجتها الماسة إلى وسيلة نقل سلسة تخدمهم في مشاويرهم، بدون تحمل أعباء الازدحام، وصعوبة التنقل (عند عدم توفر سيارة) وإيجاد وسيلة نقل مباشرة، إذا نظرنا إلى هذه الشرائح، سنجد أنها وحدها هذه الشرائح كفيلة، بتوفير زخم كبير من الركاب الذين يواظبون على استخدام النقل في مشاويرهم اليومية، ويصبح عادة من عاداتهم الممارسة يوميًا، ويضمن الاستثمار والنمو في هذا المجال بشكل ناجح.

وللوصول للنجاح المرجو في قطاع النقل العام، يجب أن يستجيب الاستثمار في مجال النقل العام، إلى حاجة كل شرائح المجتمع غنيها وفقيرها في التنقل بسهولة ويسر والوصول إلى مشاويرهم بدون صعوبات، والتخفف من أعباء امتلاك سيارة وصيانتها أو استخدامها في كل وقت وحين وما يشكله ذلك من إرهاق على الميزانية الشهرية، وما ينتج عنه من إضرار بالبيئة، ورفع نسبة العوادم وثاني أكسيد الكربون، خاصة وأن هناك خطة حكومية تلتزم بعام 2050 موعدًا لتحقيق الحياد الصفري في سلطنة عُمان.

على التجارب الجديدة التي تستثمر في مجال النقل العام، أن تكون على درجة عالية من الطموح، وأن تكون مختلفة عن تجربة شركة النقل الوطنية مثلا، التي يجتمع فيها سوء التخطيط وعدم توفر الأهداف سواء القريبة أو البعيدة في خطط تشغيلها، فهذه الشركة منذ سنوات طويلة، ورغم أن حافلاتها تجوب مدينة مسقط ليل نهار، لم تكن تخدم إلا حفنة من العمال الوافدين الذين تلتقطهم حافلات النقل الوطني بكل كسل من على الشوارع الرئيسية، بينما كان المواطنون يدبرون حالهم بصعوبة في التنقل، وهم يشاهدون الرفاهية يعيشها العامل الوافد في تنقله، وهو يستقل حافلة شركة النقل الوطني والتي دائمًا ما تكون فارغة، سوى حفنة من الركاب.

في الأخير.. فإن توفر شبكة للنقل العام في السلطنة، يعد مكسبا تنمويا طويل المدى، من ناحية تخفيف الضغط على شبكة الطرق، والحد من ملاحقة التوسعات المتلاحقة للطرق والتكلفة الباهظة لهذه التوسعات، في ظل التزايد السنوي المهول لأعداد السيارات، الذي يشكل إنهاكًا لشبكة الطرق.