ذكرى خالدة متوجة بعطاء متجدد

 

خالد بن أحمد الأغبري

 

الاحتفاء بذكرى الثامن عشر من نوفمبر المجيد يحيي في نفوسنا مشاعر وطنية غير عادية ملؤها الغبطة والسرور والفخر والاعتزاز، وهو انعكاس طبيعي لمشاهد تاريخية اختزنها الشعب العماني في وجدانه لتلك المرحلة الانتقالية والتحول الكبير الذي شهده العالم في نظام الحياة العمانية التي أكتسبت أهمية عظمى من خلال قدرتها على التعاطي مع مجمل القضايا والأحداث والمتغيرات وما صاحبها من تطور وتنمية شاملة في مختلف المجالات.

وستبقى هذه الذكرى شعلة متقدة تضيء خارطة عمان الحديثة وترفع من شأنها، بقدر ما هي عالقة في أذهاننا ومؤثرة في نفوسنا ومتأصلة في مشاعرنا، والتي رسمت لنا أجمل لوحة فنية حقيقية تشكلت معالمها من خلال تلك الصورة المثالية لميلاد دولة عصرية متنامية، وعهد جديد تطورت أحداثه وتفاعلت معطياته وامتزجت فيه الهمم وتسارعت فيه الخطى فأصبح مثالا للدولة الحديثة التي تبلورت أهدافها في محيطنا الداخلي والخارجي لتبقى شاهدة وحاضرة في كل زاوية من زوايا الوطن وفي كل معلم من معالم نهضتنا الشامخة وفي كل قصة من قصص حياتنا اليومية وفي كل بيت من بيوت عمان الحديثة وفي كل صفحة من صفحات تاريخنا المعاصر وفي كل لحظة من لحظات عمر الإنسان العماني المتوج بالعقلية الواعية والفكر الحصيف والرأي السديد والهمة العالية.

هذه الذكرى العطرة، ما زالت تطرق أبوابنا وتلامس وجداننا وتثير مشاعرنا وتزداد عمقا في أحاسيسنا وتوحد صفوفنا بالكلمة الطيبة الصادقة والمساعي الحميدة البناءة وتنشر المحبة والمودة والوئام فيما بيننا وبين العالم الخارجي الذي ينظر إلينا نظرة تقدير وحب واحترام نتيجة المكانة التي وصلت إليها عمان بعمقها التاريخي ودورها الريادي في ترسيخ لغة التفاهم ومد جسور التعاون في مختلف المجالات، وبصورة تتجدد فيها نظرة التفاؤل والعمل الجاد، وترسم من خلال ذلك ملامح مستقبل الوطن بما يتناغم مع استراتيجيات وبرامج التطور التي تشق طريقها نحو التفوق والتحديث والتجديد لترتقي بذلك إلى خَلق المزيد من الأدوات ومنصات الإنجاز ورفع مستويات التقدم والرخاء والازدهار الذي نعيشه ونتعايش معه ونفترشه بين واحات الأمل والطموح وبساتين الصحوة الإيمانية والإنسانية في ظل قيادة حكيمة وشعب وفيٍ وتنمية مستدامة، وذلك وفق نظام متكامل ومتطور وجد ضالته على هذه الأرض العمانية الطيبة التي يغمرها بفضل الله علينا الأمن والأمان والاستقرار والتسامح بما لذلك من أسس ومرتكزات اجتماعية وحضارية عريقة تتسم بالعمل المخلص والجاد والإرادة القوية والإدارة الإيجابية والعزيمة الصادقة والبعد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يحتضن قواعد هذه التنمية ويدفع بها نحو معطيات الحياة وفلسفتها الخاصة القائمة على العدل والمساواة والوضوح التام والشفافية، لكي تستمر وتتناغم وتتعايش مع كل جديد ومفيد تنهض به الأمم دون المساس بمبادئ هذا البلد وعقيدته الراسخة ونهجه الثابت وتقاليده العريقة التي تأصلت فينا وأضاءت مسيرتنا وقلدتها أوسمة الاعتزاز بالوطنية والهوية العمانية التي لا تقبل المساومة على مبادئها وقيمها الحميدة في صورة متكاملة ومتنامية رسمتها الأنامل الوفية المخلصة في لوحة فنية متعددة الألوان ذات أبعاد متناسقة ومتناغمة أبهرت العالم بجمالها ودقة نظامها وعراقة شعبها ورقيه.

ها هي عمان تستقبل هذه الذكرى الخالدة في عيدها الوطني الثاني والخمسين المجيد بروح واعية وثّابة لا تعرف الكلل ولا الملل، لتقف شامخة عملاقة على أرضية صلبة كما أراد لها قائدها المخلص وباني نهضتها البار جلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه الذي أفتقدنا طلعته البهية ونظرته الثاقبة وكلماته الأبوية وحسه الإنساني والوطني المتميز بالكرم والأخلاق الرفيعة وتسامحه ورفقه وعفوه عند الأزمات في مثل هذه المناسبات العظيمة والمبادرات الكريمة.

ها هو الشعب العماني يجدد الولاء والعرفان لقائده الهمام جلالة السلطان هيثم بن طارق- حفظه الله- الذي تولى مقاليد الحكم في البلاد بكل ثقة وعزيمة وثبات ليُجدد ويواصل المسيرة وينمي قدراتها ويعمل على إضافة المزيد من البرامج والأهداف والاستراتيجيات الطموحة ليحقق لها المزيد من النجاحات والإنجازات الاجتماعية والتنموية والاقتصادية والسياسية وتطوير أجهزة الدولة وتحسين مستوياتها الإدارية والرقابية وتهيئة الظروف المناسبة لمواصلة العطاء والإنجاز وتوسيع قاعدة العمل المشترك بين مختلف القطاعات الرسمية والأهلية والتي تعتمد على السواعد الوطنية وتستجيب لصوت الحكمة ونداء الوطن في تشكيلة رصينة تدعمها النوايا الصادقة والقلوب الواعية والأيدي المتماسكة والرؤى المشتركة.

ها نحن اليوم نقف على عتبة هذه الذكرى الخالدة لنطوف عبر مسارات هذه النهضة المباركة لنحيي أبناء أمتنا العمانية الذين بذلوا قصارى الجهد من أجل خدمة وطنهم ومجتمعهم بكل جدية وإخلاص لتتحقق من خلالهم تلك الإنجازات التي نراها ماثلة أمامنا شامخة على هذه الأرض الطيبة والتي تتمثل في الكثير من الجوانب الحيوية والمرتكزات الأساسية كالمدارس والجوامع ودور العلم والجامعات والمستشفيات والمجمعات الطبية والمراكز الصحية والعيادات التخصصية والمختبرات ومراكز البحث العلمي والمطارات ووسائل النقل المختلفة والاتصالات وشبكة الطرق المرصوفة والمجمعات الشبابية والأندية والجمعيات النسائية والكهرباء والمياه والأنشطة التجارية والصناعية والاستثمارات العامة والمتنوعة ذات العائد المتجدد الذي يدعم الاقتصاد المحلي وينمي موارده، إضافة إلى تطوير الأجهزة العسكرية والأمنية والخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطن في مختلف المجالات.

إن إعداد الإنسان العماني وتهيئته وتأهيله ورفع قدراته العلمية والمعرفية والثقافية والعملية والفنية لمواجهة كافة الأزمات والتحديات في عالم قابل للمتغيرات والمستجدات وتطوير الذات، متطلعين إلى تحقيق المزيد من مسارات التطور ومعايير التفوق والتقدم وسبل العيش الكريم في ظل القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله وأبقاه.

نسأل الله تعالى أن يرحم فقيدنا الراحل السلطان قابوس بن سعيد (مؤسس نهضة عمان الحديثة ومحقق إنجازاتها) طيب الله ثراه، ونسأله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ورضوانه ويسكنه فسيح جناته، وكل عام والجميع بوافر الصحة والعافية وكمال السعادة والمسرة.

تعليق عبر الفيس بوك