الهاتف المتحدث

 

سليمان المجيني

tafaseel@gmail.com

 

يُحكى أنَّ هاتفا ظهر في أحد أسواق المدينة يتحدث باللغة الإنجليزية، ويقتنيه رجال الأعمال والسياسيون من مواطني البلاد لطبيعة أعمالهم التي تتطلب التعامل بهذه اللغة، تبعهم الصحفيون والكتاب والأطباء وغيرهم ممن يتحدث اللغة ذاتها من المواطنين، وكذلك بعض رعايا الدول الأجنبية المتحدثة بذات اللغة.

هذا الهوس الشديد بالهاتف الجديد جعل عامة الشعب يرغب في اقتنائه، إلا أن اللغة كانت حائلا للبعض، لكن امتلاكهم الأموال في ذلك الوقت لم يمنعهم من الظفر به خشية ارتفاع ثمنه لاحقا، وبعضهم اقترض المبلغ واثقاً في فرضية الغلاء، كما تحمل الرسائل التي تصل وعودا بظهور الترجمة العربية واللغات الأخرى في القريب العاجل، وهذه الرسائل كانت كفيلة بجعله الخيار الأول.

نقلة نوعية جعلت الأفراد لا يُفكرون في كيفية استعماله ومبرراتها، ومحاذير الأمان والسرية وغيرها بل خلقت نوعا من الثقة لدى مستخدمي النسخ القديمة من هذا الهاتف؛ فسمعته الداهمة وقدراته الخارقة هي وحدها التي جذبت اهتمامات الشعوب وجعلته محط أنظار وأفكار العالم، يكفي ربط الهاتف باسم المستخدم عبر حساب الموقع الإلكتروني وتسجيل رقم البطاقة الشخصية كأمر مستحدث للدخول إلى عالم هذا الهاتف وتقنياته، أما باقي السحر فعليه أن يقوم به هو كهاتف ذكي.

يُميز الهاتف (بعد تسجيل البيانات) قدرته على التحدث مع الآخرين ممن ربطوا هواتفهم بمثل هذا الهاتف دون الحاجة للمسه أو التحدث الشخصي من خلاله؛ فهو يقوم بالمهمة على أحسن وجه ويتميز أيضًا بقرب الصوت من صوت صاحبه، وهي من ميزات الأمان في الهاتف، من أين يأتي بالردود؟ أو كيف يعلم مواعيد أو تنقلات صاحبه؟ هذه الأمور متروكة لشركة التصنيع، وعلينا هنا التكهن بذلك؛ فمن خلال ربط الهاتف بالموقع الإلكتروني والبطاقة الشخصية يكون صاحب الهاتف صفحة مفتوحة، بياناته وموقعه وأحاديثه ومواعيده التي يسجلها أو يقولها، وحتى بيانات حساباته البنكية، وطبعًا كلها محاطة بالسرية التامة من الشركة الأم والدولة بعد توقيع الاتفاقية الخاصة بذلك.

وفي حال رغبة المالك إيقاف ميزات الهاتف الجديدة عليه الابتعاد عنه بقدر مترين فقط، وهو ما يجعله حرا يفعل ما يشاء دون رقابة، سار الأمر على هذا النحو لفترة محدودة قبل أن يتخلى عنه بعض السياسيين لمحاذير نُدركها، وحتى بعض رجال الأعمال بسبب خشيتهم فضح أعمالهم المريبة، حدث كل ذلك في الدول العربية، هنا انقسم أفراد المجتمع بين مُؤيد ومُعارض؛ فالآراء مُتضاربة لكن هذه المرة لا تنصب على اللغة بقدر ما تشير هذه الآراء إلى الثغرات الأمنية مع تزامن توقيت السياسيين ورجال الأعمال ترك التعامل مع الهاتف الجديد.

الأفراد العاديون بانتظار ترجمة هذه الميزات إلى اللغة العربية وتوافقها للاستخدام العادي بين الناس، يريد الأفراد العاديون أن تكون حياتهم محصورة في هذا الهاتف فليس لديهم ما يخشونه، سوف يتحدث قريبا باللغة المطلوبة، حياتهم ستصبح في سجنه أحلى طالما كان قريبا منهم، ومن ميزات سجنه امتلاك المعلومة التي يمكنك الرجوع لها متى شئت، وهذه المعلومة محاطة بسرية تامة إلا لهم.

الدينيون فرحوا بهذا الهاتف كثيرا؛ فمن خلاله يمكنهم ممارسة حياتهم المثلى أمام أعين الكفار، وستصل رسالتهم إلى أولئك الذين لا يفقهون الحياة التي يعيشونها، ولا عن ماذا يبحثون!، بأفكارهم الخلاقة ذاتها سيصل الإسلام إليهم، سيدخلون إليه طوعا جميع مخترعي هذا الجهاز، وسيكونون في صفنا، نعم سيكون ذلك نصرا وعزة، أما غيرهم ممن لديهم بعض المآخذ فيعتبرونه ثورة بحق إلا أنهم لن يحملوه في مواعيدهم غير الشرعية، وهم لا يكترثون بالسياسيين ورجال الأعمال الذين لا يفقهون أن العالم أصبح قرية صغيرة، وسيصل كل شيء لعامة الناس مهما أخفوا.

ويذهب فريق ثالث إلى عدم الاهتمام بكل هذا فهدفهم الاستمتاع بالدهشة، والتقنية الحديثة تكسبهم هذا الإدهاش وهذه المتعة الساحرة، ليس لديهم ما يخسرون أو يخبؤون ويفضلون ممارسة حياتهم ككتاب مفتوح للجميع وبثغرات أمنية مباحة. المجتمع تقريبا تقبل الابتكار الجديد في الهاتف الذكي بصدر رحب ومارسه بعضهم ممن استطاع شراءه وفهم لغته، أما السياسيون ورجال الأعمال فلهم محاذيرهم، فيما ينتظر آخرون الترجمة العربية للنظام ولكل فهمه ومبررات اقتنائه. 

هاتفنا الجديد لا يكترث بأحد، وهو واضح وغير ملتبس المعنى، سيقرأنا بشكل أفضل أكثر مما نعرف فيه ذاتنا، وسوف يراقبنا ويتحدث عنَّا وربما مستقبلا سوف ينصحنا بأهم تحركاتنا، وينشر بعض العواطف علينا، ويعمل على توازن أنفسنا وحياتنا.

تعليق عبر الفيس بوك