قراءة في تسمية وزارات النهضة المتجددة

 

 

د. أحمد العمري

 

منذ نشأة الدولة البوسعيدية المباركة المجيدة التي انطلق مؤسسها الإمام السيد أحمد بن سعيد- طيب الله ثراه- من الساكبية (ولاية أدم) ليعم بنفعها العباد والبلاد ويشمل كل أرجاء سلطنة عُمان الغالية شمالًا وجنوبًا وشرقًا وظاهرًا وباطنًا ووسطًا وباطنًا ومسندمًا وداخلًا وظفارًا، والشعب العماني ملتف حول قيادته ولاءً وحبًا وكرامة وفخرًا وعزًا وتمجدًا ولم يتزحزح عن ذلك قيد أنملة، ولم يمل عن مبدأ أو يخرج عن قاعدة.. وهذا ما جعل الشعب العماني شعبًا وفيًا مخلصًا صادقًا نقي السريرة يظهر ما يبطن من نقاء وصفاء.

حتى أتت النهضة المجيدة التي قادها بكل فخر واعتزاز السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- وجزاه خيرًا عمَّا قدمه لبلاده وشعبه، فقد أعاد تأسيس كل شيء من العلم والنشيد الوطني واسم البلد، إلى العمل المؤسسي الفاصل بين السلطات، وإيضاح الحقوق والواجبات، وحتى عندما أتت أحداث عام 2011- لا أعادها الله- لم يختلف اثنان على حب البلد والولاء للسلطان، وإنما كانت هناك مطالبات بعض منها جاد وصريح، وبعض منها مبالغ فيه؛ بل وصل للأحلام وأمنيات تعجيزية.

وعندما اختار ربنا بحكمته وقدرته السلطان الراحل، حصلت العديد من التأويلات والآراء والتوقعات ليس من داخل السلطنة فحسب وإنما أكثرها من خارجها، حول من سيخلف السلطان قابوس، خاصة وأن النظام الأساسي للدولة حينها لم يكن ينص على من يتولى ولاية الحكم في البلاد. ولكن ولِما عرف عن العائلة المالكة الكريمة من سلاسة وسهولة وبساطة ورؤى ثاقبة في النظر للمستقبل، فقد أتفقوا- حفظهم الله- على الأخذ بوصية السلطان قابوس مؤسس النهضة العمانية الحديثة؛ لينبري لنا صبيحة الحادي عشر من يناير من عام 2020 جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وتتكون على الفور النهضة المتجددة وتبدأ رؤية "عُمان 2040" التي كان- حفظه الله- ربانها ونوخذتها بكل حكمة واقتدار، وكانت البداية أنه لا بُد من إعادة هيكلة الدولة وإلغاء ازدواجية التداخل بين الوزارات والموسسات الحكومية، بغية توحيد الجهود وتضافرها والتعاون والتعاضد لما فيه المصلحة العامة.

صحيحٌ أن سلطنة عمان كغيرها من دول العالم، تعرضت حينها لأزمة كورونا التي ضربت كل نواحي الأرض بسلبياتها المتعددة والمختلفة، ولكن بحكمة القياده الفتية وبُعد النظر، خرجت سلطنة عمان بأقل قدر ممكن من الأضرار ولله الحمد، وها هو الاقتصاد العماني يتعافى؛ بل وصلنا لأكثر مما كنَّا نتوقع، وقد حققنا فائضًا بعون رب العالمين، لعل ذلك يخفف من الديون التي أثقلت كاهل الوطن ويسمح بمرور بعض النسمات للمجتمع والمواطن والتي بدأت ملامحها تلوح في الأفق من خلال التوجيهات السامية الكريمة الموجهة للجوانب الإنسانية والحرجة في المجتمع.

عمومًا.. لنرجع إلى تسميات الوزارات في النهضة المتجددة والتي قد يظن البعض أنها أطلقت فقط للدمج بين عدد من الوزارات .... وهنا نقول لكل تسمية هدف ومضمون ومبتغى وغاية وأن التسميات لم تطلق جزافًا وإنما بمعانٍ ومدلولات ولنرى مثلاً: وزارة الثقافة والرياضة والشباب؛ حيث قد يقول البعض لماذا لم تدمج الثقافة مع الإعلام مثلا كما كانت في فترة سابقة، وهنا نقول تلك مرحلة وهذه مرحلة أخرى، فلا بُد من ربط الثقافة بالشباب والتركيز على الشباب المثقف الواعي المدرك لواجباته وحقوقه، وهنا الارتباط وثيق وأصيل. وكذلك وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه؛ فكما أن الأسماك ثروة، فالزراعة ثروة، خاصة إذا ما ربطنا الأمر بالزراعة التقليدية كالليمون والمانجو والرمان والتمر والدجر والبيضاح وغيرها الكثير، وتحويلها الى زراعة إنتاجية، وهناك دراسة في مجلس الدولة بهذا الشأن والتي نسأل الله لها التوفيق والنجاح. وكل من الزراعة والأسماك يرتبطان برباط وثيق مع المياه.

وزارة الطاقة والمعادن... وذلك لتشمل كل مكونات الطاقة من نفط وغاز وكهرباء، إضافة إلى المعادن التي تزخر بها سلطنة عمان، والتي يزيد عددها على الألف ونيف معدن، وهو قطاع واعد ويُبشِّر بالخير لما تمتلكه السلطنة من ركائز تعدينية يندر وجودها.

وزارة التراث والسياحة.. وهنا مربط الفرس فقد يسأل سائل لماذا رُبط التراث بالسياحة، والإجابة واضحة وصريحة ومباشرة، فلدى سلطنة عمان كنوز وفيرة من الموروثات التاريخية التي لا تقدر بثمن، ومنذ آلاف السنين، وعندما ندعو السياح إلى السلطنة، فإننا ندعوهم للاطلاع على هذا الموروث العريق الضارب في جذور التاريخ؛ بما يشمل من عادات وتقاليد وفنون وآداب ومسابقات بمختلف أنواعها؛ كالهجن والخيول والإبحار الشراعي والفنون البحرية، وكذلك المأكولات الشعبية العمانية وغيرها من العادات والتقاليد العمانية المتأصلة.

هذه بعض الأمثلة التي تبين أن التسميات لم تكن محض صدفة أو لمجرد الدمج، وإنما لها من المعاني والدلائل والحكمة والرصانة، فكل شيء في سلطنة عمان يمضي بخطى واثقة ونهج مدروس وعمل مؤسسي محكم الأبعاد والاتجاهات.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.