"سنابيون" يتحدون القانون!

 

 

د. سلطان بن خميس الخروصي

كاتب وباحث، دكتوراه في علوم التربية

sultankamis@gmail.com

 

في فترة مضت كان صاحب القلم الرزين، والعقل الرصين، والتجارب المتراكمة علميا وعمليا مكسبا لكثير من المؤسسات التي تنشدُ الجودة والسمعة في المجتمع، وكان إقبال المؤسسات الحكومية والخاصة على مثل هؤلاء منقطع النظير، بحكم ثروة المحتوى والمغزى العميق للرسائل التي يقدموها.

غير أن "دوام الحال من المُحال" ومن ينشدُ العُلا لابد له من تطوير مهاراته ومعارفه ومداركه وأساليبه وحتى الوسائل التي من خلالها يقدم محتواه للجمهور، ومن ذلك مواقع التواصل الاجتماعي المتعددة، فبعيدًا عن الفلسفة البيزنطية وأهمية هذه المواقع نلحظ تناميا ملحوظا وسريعا لتطبيق "سناب شات" أحد مكونات مواقع التواصل الاجتماعي الرائدة في الساحة العُمانية، كما نلحظ بروز أعداد كبيرة من "السنابيين" الذين وجدوا فيه بابًا للرزق والشهرة والوصول إلى قلوب وعقول فُتيان وفتيات الوطن، وليس في ذلك حرج، فقد أُثر عن النبي الكريم قوله "تسعة أعشار الرزق في التجارة" فهي أحد أبواب الرزق كما يراها الكثيرون، وهم يُبررون- أي أصحاب هذه الحسابات الشهيرة- بما أن الحكومة ومؤسسات القطاع الخاص ليس لها حل لتوظيفنا، فنحن نجدُّ ونجتهد لنبني مستقبلنا، وذلك حق مشروع.

إلا أن المتتبع لحسابات الكثير من الرائدين في هذا التطبيق في الساحة العمانية يلحظ أن نسبة كبيرة منها تُقدِّم محتوى تجاريًا صرفًا، وليس في ذلك عِلة للنقاش، لكن الخطوة تكمن في طبيعة ما يُقدِّمه من محتوى أخلاقي واجتماعي ثقافي يزيد من معاناة المجتمع في ظل العديد من المشكلات لأسباب متباينة، فالبعض يقدم محتوى دعائيًا كاذبًا يفتقد للمصداقية مما يعرض الكثير من الطامحين للتجارة إلى المسائلات القانونية والجزائية والملاحقات الأمنية، والبعض الآخر يعرض للجمهور ممارسات غير سويَّة تتنافى مع الذوق العام للدولة وطبيعة المجتمع العماني متجاوزا في ذلك القوانين النافذة في البلاد، والأخطر من ذلك أن مثل هذه النماذج تخلق في الوسط المجتمعي قيمة وأهمية التوجه لهذا المسار ومحاولة الدخول للشهرة- بأي طريقة  كانت- وإن تجاوز ذلك القانون والأخلاق والسمات السويَّة للشخصية الوطنية. والدافع في ذلك، تعاظم ثروات هذه الفئة مع غياب القوانين المنظمة لمثل هذه الممارسات دون الشعور بأهمية التعلُّم والتعليم والابتكار والاختراع وحب التميّز في تقديم المحتوى النوعي الرائد؛ بل وصل الأمر إلى أن البعض الذي حصل على شهادات مهنية وعلمية متخصصة يقولها بملء فيه إن رزقهُ فُتح من هذه النافذة وليس بشهادته وخبراته؛ وهو بذلك يقدم رسالتين مهمتين، فالأولى تشي بأن مؤسسات الدولة لا تعير أصحاب الشهادات الدقيقة والنوعية أي اهتمام مما يخلق في نفس الطامحين اليأس وعدم الاهتمام وينعكس ذلك في تضخّم أصحاب الشهادات الدُّنيا في المجتمع. أما الرسالة الثانية فهي اعتراف من "السنابيّ" بأن الشهادة "ما توكل عيش" وهنا إشارة خطيرة تُنبئ بإعطاء مؤشرات سلبية بأنك إن حصلت على مؤهل علمي ستكون في الصفوف الأولى من المُحاربين فالأفضل لك أن لا تستنزف وقتك وعقلك وجهدك.

من جانب آخر، من يتتبع حيثيات العديد من أصحاب هذه الحسابات "الضخمة" يلحظ أن الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة تولي لهم اهتماما كبيرا بتقديم العديد من الفعاليات والمناشط؛ وفي ذلك مؤشر حرج يجب الوقوف عنده، فهو يعزز مما تقدم أن هذه الفئة هي صفوة من يمكن أن يقدموا رسائل الحكومة للمجتمع؛ فيغرس في نفوس أصحاب المحتوى الهادف والمتزن أن هؤلاء بما وصلوه من ثقة مؤسسات الدولة هم فوق القانون، وأنهم بمثابة الإعلام الرفيع والسامي الذي يعكس طبيعة المجتمع العماني، وأخلاقه وسماته وتطوره، فإن وصلنا لهذه المرحلة فنحن بحاجة إلى مراجعة فلسفتنا الإعلامية الوطنية.

في ختام هذا المقال.. من الضرورة أن أكون بيِّنًا وواضحًا أنني لا أُهاجم أصحاب الحسابات لكنني أتمنى أن يكونوا على قدر المسؤولية في استيعاب تشريعات وقوانين الوطن؛ بما يحفظ قيمة ومكانة ومشاعر من يتابع محتواهم، فأنتم الوجه المُشرق للبلاد والعباد، فقدِّموه للعالم كما ينبغي، ولا تتنصَّلوا من تاريخكم وأخلاقكم ومبادئكم، كما لا تُبرؤا أنفسكم من مسؤوليتكم المجتمعية عبر تقديم المبادرات فأنتم شُركاء فاعلون في بناء عمان، وعليكم أن تجعلوا نصب أعينكم أنكم عِظامٌ باختيار محتواكم الهادف، لكن لا ينبغي أن تكونوا فوق القانون.