إبراهيم الريامي
من حق كل عُماني أن يحلم بأن يرى بلده في مُقدمة الأمم، كل شيء جميل في الحياة يبدأ بحلم، وقمة السعادة أن يتحول الحلم إلى واقع.
تم التطرق في مقالات سابقة إلى أن الإنجازات العظيمة تبدأ بفكرة في العقل ثم تتطور لتلامس أرض الواقع متى ما وجدت لها التربة الصالحة لتساعدها على النمو والازدهار. ويتطلع كل عُماني أن يرى بلده من أعظم الأمم وعلى كافة المستويات التقنية، التكنولوجية، الثقافية، الاجتماعية، الاقتصادية والعمرانية.
المقال السابق تم التطرق فيه إلى الخطوات التي يتطلب اتخاذها لكي نكون أمة متقدمة مبتكرة. التطلع هذه المرة لإعادة رسم ملامح العاصمة مسقط المستقبلية للتعبير عن انطلاق حقبة جديدة لعُمان في عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه. لقد سعدت كغيري بالخبر الذي نشر منذ أشهر حول سعي وزارة الإسكان والتخطيط العمراني في إعداد المخطط الهيكلي لمشروع مسقط الكبرى الذي يعد أحد أهم مشاريع الاستراتيجية العمرانية للوزارة. وعلى الرغم من أن الوزارة لم تتطرق إلى ملامح وشكل العاصمة في حلتها الجديدة، إلا أن التخطيط العلمي السليم هو بداية لأية انطلاقة عمرانية منظمة. هذا المقال سيتطرق إلى رسم صورة تتخيل الطموح الذي يرتجى أن تكون عليه العاصمة مسقط في المستقبل. يمكن تخيل مدينة مسقط الجديدة كمدينة عصرية حديثة تتخللها بحيرة مائية جميلة مصبها الرئيس من البحر، مدينة ذات طابع حديث تعكس النهضة العُمانية المتجددة.
في وسط البحيرة المائية تبهرك مشاهدة ثلاثة أشرعة عملاقة يمكن رؤيتها من بعيد من كافة الاتجاهات يصب من أعلى كل جناح شلال مائي شاهق الارتفاع. هذا الصرح الضخم يسمى "أشرعة السندباد"، وهو بمثابة أيقونة مسقط الجديدة، وفي المساء تتحول هذه الأشرعة إلى نافورة ضخمة بألوان متعددة. ويمكن أن تتخيل بمحاذاة البحيرة المائية ممشى واسعا للمشاة ولهواة الدراجات الهوائية وممارسي ركوب الرياضات الآلية الأخرى خاليا تماما من السيارات. وبنهاية الممر المائي "مارينا" خلابة لهواة البحر واليخوت. ما يميز المدينة خضرتها والأشجار الجميلة التي تحيط بها. وعلى امتداد الممشى مباشرة مطاعم ومقاهٍ ومحال تجارية حديثة تطل على البحيرة المائية ذات الطابع المعماري الحديث، خلف هذه المحال التجارية مبان سكنية تجارية منفصلة عن بعضها ذات طابع عصري مميز تكون هي "مركز مدينة مسقط".
ما يميز هذه المدينة أنها صممت كمدينة صديقة للبيئة وأيضا هي مدينة ذكية. يتصدر المدينة أكبر مول للمستقبل في سلطنة عُمان بمسمى "داون تاون مول". المدينة ترتبط بسكة قطارات علوية (مترو) بها محطات توقف بجميع الأماكن المهمة بما فيها المولات الحالية.
كما يوجد بها مدينة ألعاب مُغطاة بالكامل للاستخدام في كافة الفصول. كذلك بها صالة ألعاب رياضية تكون أضخم صالة مغطاة في الشرق الأوسط لممارسة مختلف الرياضات : كرة قدم، طائرة، كرة سلة،تنس، تنس طاولة، بادل، بولينج وغيرها. كما يوجد بها مسرح كبير للاحتفالات، 90% من مواقف المدينة تحت الأرض، وتكون مخططة بأسلوب يحد من التزاحم المروري.
قد يتساءل البعض ما أهمية إنشاء مدينة كهذه في قلب مسقط؟ وما أهمية أشرعة السندباد ولماذا لا تكون مدينة جديدة في منطقة أخرى؟ مسقط هي العاصمة وقلب عُمان النابض. لا يوجد في مسقط مركز للمدينة حتى الآن؛ حيث أصبحت المحال التجارية والمراكز مبعثرة في أماكن عدة. ومسقط هي واجهة عُمان أمام العالم. وعندما يتم تأسيس مركز ووسط مدينة مسقط يمكن بعدها البناء على هذا النموذج وتكراره بشكل مصغر في كافة ولايات السلطنة بحيث تكون هناك مراكز مدن مصغرة حديثة في كل ولاية. وهنا يأتي دور المحافظات للتفكير بجدية بإنشاء مراكز حديثة في كافة ولايات السلطنة بأسلوب حديث ومنظم.
أما أشرعة السندباد الثلاثة؛ فهي للدلالة على عظمة تاريخ عُمان البحري وامتداده في كافة الاتجاهات، والسندباد اسم معروف عالميًا ومرتبط بعُمان وإيجاد معلم في قلب المدينة الجديدة يجسد تاريخ عُمان البحري من شأنه أن يشكل فارقا وعامل جذب كبير لكثير من السياح.
لا يمكن إحصاء الفوائد لكن هذا المشروع يعد من بين أهم المشاريع التي من شأنها أن تعزز ثقة المواطن بانطلاق نهضة متجددة لبلاده في عهد صاحب الجلالة- حفظه الله ورعاه- بحيث يرى المواطن أن بلده ليست بمنأى عمّا يدور حولها من تطور عمراني مذهل. ومن جانب آخر، لكي تكون عُمان جاذبة للسياحة والاستثمار لا بُد أن تكون هناك مقومات أخرى غير المقومات الطبيعية التي حباها الله بها. أما من الناحية الصحية فما أجمل أن تكون الرياضة وممارسة المشي أسلوب حياة لجميع من يعيش على هذه الأرض الطيبة.
وهناك خطوات عملية لكي يرى هذا المشروع النور:
- الإيمان بالفكرة وأنها خطوة قابلة للتنفيذ
- تشكيل فريق هندسي من وزارة الإسكان، وبلدية مسقط، وشركة عمران لوضع المتطلبات الأساسية للمشروع ليكون ضمن خطة مشروع مسقط الكبرى.
- تكليف مكاتب هندسية عالمية للتنافس في وضع تصور للمخطط المناسب للمدينة.
- تقسيم المكونات الرئيسة للمشروع بحيث يتم تنفيذها على مراحل يسهل تنفيذها.
- آن الأوان لشركة عمران أن تضع بصمتها في نهضة عُمان المتجددة بالقيام بمشروع عملاق كهذا، وهذه فرصتها من خلال تكليفها بالإشراف على تنفيذ المشروع بالتنسيق مع بلدية مسقط ووزارة الإسكان والجهات المختصة الأخرى.
- أما تمويل إنشاء هذه المدينة فعلى الحكومة أن تبدأ بوضع المخطط وتحديد الأرض والمساحة التي ستشملها، وتتولى "شركة عمران" التسويق للمشروع وإعطاء القطاع الخاص والمطورين العقاريين الفرصة لإيجاد حلول التشييد.
وفي الختام.. هذا المشروع عظيم ومن شأنه أن يجلب الملايين لعُمان ويعمل على خلق آلاف الفرص للعُمانيين وهو يتماشى مع رؤية "عُمان 2040" التي أشرف عليها جلالته -حفظه الله ورعاه-. عُمان قادرة على تنفيذ هذه المشاريع العملاقة بوجود الرؤية والعزيمة. وكما قال المتنبي: "على قدر أهل العزم تأتي العزائم // وتأتي على قدر الكرام المكارم.. وتعظم في عين الصغير صغارها // وتصغر في عين العظيم العظائم".