زحمة

 

منى بنت حمد البلوشية

ونحن في شوارع مسقط وطرقاتها التي لا تنتهي بها زحمة الطريق، حين يصبح الوصول لكل مكان نقصده بها ليس سهلاً في الوقت المحدد، سيكون الطريق مُثقلًا وربما يصبح سالكه أقل حكمة واتزانا وهو بانتظار ذلك الكم الهائل من السيارات المنتظرة أمامك والمنتظرين خلفنا، لولا أنه يحاول مستغلا ذلك الانتظار بما يُثري قريحته وعقله. وهناك من كان عليه أن يصل في وقت محدد له، ويشغله ذلك كثيرًا خوفًا من أن يذهب عليه ما هو آت لأجله إلى العاصمة المزدحمة باتساعها.

هي ليست دقائق فقط بل تطول تلك لتصبح أكثر من نصف ساعة، تخيلت في ذلك الموقف الذي كنت به منذ أيام كيف باستطاعتنا الوصول في الوقت المناسب، ولنتجنب زحمة الطريق العام سلكنا طريقا آخر وهو الطريق السريع الذي كنَّا نعتقد بأنه سيكون أقل ازدحاما منه، لكن بلا جدوى أصبح أكثر ضجيجا ومليئا بازدحام الأفكار لا بالطريق وأصبح الفكاك منها أمرا يستوجب عليّ أن أوظفها في الطريق الصحيح.

فذلك الازدحام سيجعلك تفكر، كيف يمكننا تجنبها وهي مشكلة عالمية ليست فقط في وطننا وبالأخص مسقط العاصمة، ستأتيك أفكار لا تستطيع أن تقولها وربما سيُضحك عليها ليس كل فكرة هي ملجأ للسخرية ولكن لا بُد لنا أن نقوم بحلها لتجنب التأخر في الوقت المحدد الذي لابد لنا من الوصول إليه. تخيلت خلال ذلك الطريق الطويل الممتد كيف لسيارة الإسعاف أن تصل بالمريض وبحالته الحرجة ولابد من الوصول به بأسرع وقت ممكن وكيف لها أن تجد أحدا يفسح لها المجال في وسط السيارات التي تأبى أن تجد لها مكانا تتحرك منه، إنه أمر محزن ومقلق للغاية، بينما نأتي للجهة الأخرى ماذا لو كان باحثا عن عمل ولديه مقابلة وفي وقت محدد لا بد له أن يصل وهو ينتظر تلك المدة حتى أتى الفرج له إلا أنه تفاجأ بما شاهده أمامه من انتظار وذهب عنه ما كان يسمو إليه، وهو محاولا بشتى الطرق للوصول، وهناك آخر من يصطنع التجاوزات الخاطئة التي تعرقل الآخرين ويتزعزع نظام الطريق بها، ناهيك طلاب المدارس وهم ينتظرون الوصول لمدارسهم بعدما أنهكهم الطريق وطول الانتظار، والكثيرون ممن يتأففون لذلك. إنه مشهد يومي ويؤرق ويزعج الجميع رغم تطبيق نظام العمل المرن إلا أن المشكلة ما زالت قائمة.

كيف يمكننا حل مشكلة الازدحام وتجنبها؟ من المضحك إن قلت لكم بأن لها إيجابيات في نفسي ولذاتي وتعلمت من طول الانتظار ما لم أتعلمه من قبل، وسأجد من يقول أنتِ ترين ذلك، فنحن لا نرى ولا نشاهد ما تشاهدينه مع ازدحام تلك الأفكار في رأسي محاولة أن تكون واقعا. فماذا لو تم، وماذا لو تم تخصيص حافلات خاصة بنقل الركاب بشكل جماعي بعد أن ازداد عدد السيارات والنقل الفردي بها والتشجيع على ذلك ماذا لو تم استخدام تقنيات وأنظمة حديثة في المرور كالنظام الخاص بالنقل الذكي الذي يعمل على تنظيم حركة المرور، لماذا لو يتم عمل عدة خطوط وطرق سير جديدة والتوسعة؟ ماذا لو تم تخصيص طرق خاصة للحالات المستعجلة، كل ذلك لتجنب وطأة الازدحام اليومي وخاصة وقت الذروة وستظل ماذا تردد نفسها حتى يحين لها القول بتم.

نحن نحتاج لتكاتف الجهود وفسح المجال للعقول النيّرة من الشباب ولمن يستطيع أن يعطي أفكاره باقتراحات لأجل هذا المشكلة المؤرقة رغم أنها مشكلة عالمية لم تستطع الدول حلها ولكنها تحتاج لأن تُعطى لها الوقت والحل لأجل الكثير ممن هم يسلكون الطريق بشكل يومي أو لإجراءات أخرى.

فهناك الكثير مما يجعلنا نبدع في لحظات الانتظار وفي الوقت ذاته هو أمر مزعج ولا يمكننا إلا الانتظار، فقد أصبح الكثير يعاني وذلك لوجود كل الأعمال بالعاصمة، وربما الهجرة والتمركز بها، ونحن في خضم ذلك الازدحام علينا مواجهته وعمل كل ما بوسعنا فعله، فزحمة الطريق تترك أثرًا للعقول وكيفية مواجهتها وأعلم بأن الأفكار لو أتت ستكون مذهلة.

تعليق عبر الفيس بوك