يونس إيمره.. القاضي العابد

 

حمود بن سيف السلماني

يونس إيمره هو أحد أكثر الشعراء الشعبيين الأتراك شهرة ولد في عام 1238 ميلاديًا، الذي أثروا بشكل كبير على الثقافة التركية، كان قاضياً على قرية ناليهان في أنقرة فترة من الزمن، ثم ترك العمل في القضاء وتتلمذ تحت يد شيخه طابتوك إيمره، حيث أخذ عنه الفيض العميق من العلم، والغريب في حياة يونس، طريقة التقائه بشيخه طابتوك إيمره، وكذلك طريقة تعامل الشيخ مع يونس في بداية التحاقه به بعد تركه العمل في القضاء.

مشاهدتي للمسلسل التركي الشهير "يونس إيمره" كانت بفضل نصيحة من أحد المشايخ الأجلاء وذلك من أجل أن يعلمني أن كل شيء بيد الله، وأخذت بنصيحته- مشكورًا- وقمت بمشاهدة المسلسل مرتين خلال سنة واحدة، وقد أدهشتني طريقة التمثيل وطريقة إيصال المعلومة إلى المشاهد وتأثره بما يشاهده وكأن القصة صنعت من أجله فقط. الجميل في القصة أن المخرج اختصر حياة هذا القاضي بشكل جميل جداً كيف كان قبل أن يكون درويشاً وبعده، وتدور قصته حول تركه عمل القضاء إلى أن يكون درويشاً (عابداً)، وترك ملذات الحياة كلها من أجل عبادة الله، حيث إن القاضي في تلك الفترة إبان حكم الدولة السلجوقية له مكانة كبيرة في المجتمع تفوق مكانة الحاكم، إلا أن يونس تنازل عن كل ذلك من أجل التفرغ لعبادة الله.

وبعد أن تم تعيين يونس قاضياً على قرية صغيرة مع أنه كان متفوقاً على زملائه في الدراسة وإعجاب قاضي القضاة به إلا أن إرادة الله شاءت أن يتم تعيينه قاضياً على قرية صغيرة يعيش فيها الشيخ طابتوك إيمره، انزعج يونس كثيراً من ذلك القرار، فكيف بطالب متفوق مثله أن يتم تعيينه في قرية صغيرة وبسيطة، ولكنه تقبل ذلك على مضض، وأثناء سيره إلى القرية لاستلام زمام العمل، التقى بالشيخ طابتوك في الطريق، وسأله هل يوجد ماء بالقرب من المكان لأن حصانه قد عطش، فقال له الشيخ سوف تُمطر قريباً، فتعجب يونس من ردة فعل الشيخ بقوله ذلك، بعدها أمطرت السماء وبعد توقف المطر، تحركا نحو القرية وأثناء توقفهما بالقرب من أحد الأنهار من أجل الوضوء للصلاة، شاهد يونس أحدهم يقتل آخر، فناداه للتوقف فهرب القاتل، وحاول مسكه إلا أنه لم يستطع، فعاد إلى الشيخ والذي لم يبالِ بما يحصل، فقال له يونس إني شاهدت القاتل يقتل فهرب، فردَّ عليه الشيخ (العين ترى نصف الحقيقة)، أي لا يمكنك الحكم عليه بأنَّه قاتل بهذه السرعة، وسأترك لكم بقية القصة بالاستمتاع بمشاهدة المسلسل الخاص به والذي يدعى يونس إمره.

استفادتي من قصة يونس إيمره هو أن العمل لابد أن يكون بالتأني وعدم الاستعجال في الحكم على الأشياء مهما كانت، وأن العين ترى نصف الحقيقة وكذلك الأذن تسمع نصف الحقيقة، وتعلمت أيضاً أن يجتهد الإنسان في عمله والتوفيق من الله، ويجب عليه ألا يكون بلا عمل حتى لا تشغله نفسه بغير العبادة.

وبعض من شعر يونس إيمره:

اسمي يونس إمره

كل يوم يمر يؤجج ناري (أي: شوقي)

ما أريده في الدارين هو شيء واحد (أي: الدار الدنيا والدار الآخرة)

أنت الذي أحتاج إليه.. (أي: الله جل شأنه).

إن متابعة المسلسل التركي الخاص بيونس إيمره سوف تغير من نظرتك للحياة بشكل كبير جداً وتجعلك أكثر حرصاً على العبادة والمحافظة على الذكر والانشغال بما يرضي الله سبحانه وتعالى.

** محام ومستشار قانوني

 

 

تعليق عبر الفيس بوك