حيدر بن عبدالرضا اللواتي
صدر عن مطابع "دار المعارف" المصرية بالقاهرة مؤخرًا كتاب لأحد رجال الأعمال العمانيين المعروفين في السلطنة تحت عنوان "سيرة ومسيرة".
الكتابُ عبارة عن مذكرات تضم بين دفتية الكثير من الأحداث التي عاصرها الشخص قبل فترة السبعينيات من القرن الماضي، وما بعدها، بجانب الوثائق التي تتحدث عن الأعمال والمخاطبات والأحاديث التي أدلى بها الشخص قبل وأثناء وبعد ترأسه لمجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان وبعض المؤسسات الأخرى. صاحب هذه المذكرات هو الشيخ يعقوب بن حمد الحارثي الرئيس الأسبق لغرفة تجارة وصناعة عمان، واتحاد الغرف التجارية والصناعية الخليجية الذي بدأ حياته العملية في مدينة "المضيرب" بالمنطقة الشرقية من عمان؛ ليكون مسؤولًا عن إدارة أموال المغتربين في ذلك الوقت قبل عام 1970. وقد قام بالإشراف على كتابة هذه المذكرات بصورة سلسة وجذابة الصحفي المصري المعروف الأستاذ عاصم رشوان المدير السابق لمكتب دار الخليج بمسقط، والتي تصدر عنها الصحيفة اليومية المعروفة "الخليج" بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
ويشير المؤلف في كتابه إلى أنَّ هذا الإصدار يتضمن فصولًا عديدة تتحدث عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في السلطنة بجانب دول الخليج العربية، وكيف أن تلك الأموال التي جنتها دول المنطقة جعلت على العيون غشاوة أدت إلى إيجاد حالة نفسية تقود أصحابها إلى محاولة الهروب بعيدًا عن الواقع. وبذلك تتحدث شخصية الكتاب عن نظرية "السكرة والفكرة" في التعامل مع قضية تأرجح أسعار النفط، وعلاقتها بسنوات الخليج العجاف، محذرًا من أن تشهد السنوات القادمة اتساعًا في فجوة الضمان الاجتماعي قد يصعب معها الوفاء باستحقاقاته في ظل الأوضاع الاقتصادية المتجهة فيما يبدو نحو الأسوأ، وهو الأمر الذي ربما يؤدي إلى ما لا يتمناه أحد من تأثر الأوضاع الأمنية التي تفاقم من مخاطرها ظاهرة تركيز الثروة في قبضة عدد محدود من المحتكرين وأصحاب النفوذ، والتي ستؤدي- حال استمرارها- إلى تشكيل فجوة خطيرة يخشى معها الإجهاز على الطبقة الوسطى بما يخلق حالة من عدم التوازن وتشوهات اقتصادية ناجمة عن غياب عدالة توزيع الدخل.
يتضمن الكتاب 12 فصلًا قيمًا بجانب تقديم خاص للمؤلف، ويبدو أن جميع عناوين الكتاب جاذبة للقارئ والباحث؛ حيث يمكن من خلال هذه العناوين والمذكرات قيام بعض الطلبة العمانيين بإجراء دراسات أكاديمية في مراحل الماجستير والدكتوراه للوقوف على الأوضاع التجارية الاقتصادية التي سادت السلطنة خلال العقود الخمسة الماضية من النهضة المباركة، ونظرتهم فيما يمكن أن يحدث في العهد المتجدد لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه-. ويتناول الكتاب نظرة التجار الذين تمكنوا من العمل والمثابرة منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، بجانب الكثير من الأحداث التي تُكتب وتُنشر لأول مرة عن تفاعلات الشخص في المجتمع العماني منذ قدومه إلى مسقط من بلدته "المضيرب" قبل النهضة المباركة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في يوليو عام 1970؛ حيث يتناول الكتاب فصلًا بعنوان "عبيد الكراسي"، وآخر بعنوان "شهادات للتاريخ" وفصلًا ثالثًا بعنوان "فتش عن المستفيدين"، بينما يتناول الفصل الرابع قضايا بعنوان "الفساد وتضارب المصالح" يليه فصل بعنوان "الأفعى الجائعة"، ثم "بين الطموح والواقع". أما الفصل السابع من الكتاب فهو بعنوان "إنذارات مبكرة" يليه فصل ثامن بعنوان "سكرات النفط"، بجانب ذلك يتحدث الكتاب عن فصل جديد بعنوان " حوارات كاشفة" وآخر بعنوان جذاب "دعوات من إسرائيل"، فيما يتناول الفصل الحادي عشر عنوان "عبدالناصر وصدام"، وأخيرًا يتناول الفصل الثاني عشر عنوان "صورة من قريب".
ويشير المؤلف إلى أن صاحب الكتاب سمح له بالاطلاع على ملفاته الخاصة التي تتضمن وثائق ومراسلات ومكاتبات تتباين ما بين الشخصية والعامة، وهي تحمل أكثر من 500 وثيقة، كل منها لها دلالة مهمة تنبئ عن شخصية صاحبها، وأنه لا يميل إلى الاستعرض الشخصي على حساب المصلحة العامة، ولا يهوى البوح بما يمكن أن يشكّل مصدرًا لإيذاء الآخرين، أو الانتقاص من شأنهم. ويؤكد الكاتب أن الشخصية ما زالت تُعتبر من بين القلائل القابضين على مبادئهم الذين يمكن توصيفهم بالقابضين على "جمر النار" في زمن تحولت فيه المبادئ المحترمة والقيم النبيلة إلى مجرد أوراق يتداولها أصحابها في بورصة المصالح الشخصية الضيقة يبيعونها لمن يدفع أكثر، موضحًا أن هذا الشخص يستحق المزيد من الإطراء والمديح، إلا أن الكاتب يخشى أن تتحول عباراته إلى ما قد يظنه البعض نفاقًا لرجل هو أبعد ما يكون عن الحاجة إلى ذلك من صحفي هو الأحرص على الاحتفاظ لنفسه بمسافة كافية تمنعه من السقوط في براثن الرياء والمداهنة.
الكثير من الأحداث الواردة في الكتاب تحتاج إلى قراءة متأنية، خاصة في الفصل الذي يركز على محاولات الدولة الصهيونية "إسرائيل" فتح العلاقة التجارية مع التجّار في السلطنة من خلال بعض السماسرة في السلطنة الذين لعبوا دورًا في هذا الشأن، وكيف تمكنت هذه الشخصية من النأي بنفسها عن هذه القضية المعقدة في عالم يتصارع من أجل الحصول على الأموال بأي شكلٍ كان.
وفي هذه العجالة لا يمكن للمرء أن يتعرض إلى جميع هذه الأحداث من خلال هذا المقال القصير في حق شخصية وطنية عروبية كالشيخ يعقوب الحارثي، وكذلك الكاتب الفذ الذي تناول تلك الأحداث بكل الواقعية والحيادية؛ فالكتاب يضم الكثير من السياسات الوطنية التي تعني بالتشغيل والتعليم والتدريب والتجارة والصناعة وغيرها من الأمور المهمة التي كان يهتم بها الشخص أثناء إدارته لمجلس غرفة التجارة والصناعة ومؤسساته الخاصة.