الإعلام المُقاوِم

 

مسعود أحمد بيت سعيد

masoudahmed58@gmail.com

عشرة أعوام بالتمام والكمال هي عُمر قناة الميادين المقاومة، وقبل ظهورها بقليل داهمت المنطقة العربية أحداث مؤلمة؛ حيث كانت الميادين العربية ملتهبة.

وإذا كان التمويل والتضليل فاق كل التصورات، فالصحيح كذلك أن محور المقاومة لم يملك جهازًا إعلاميًا مناسبًا؛ وليس أدل على ذلك من المبادرة السريعة لتأسيس قناة الميادين نفسها في ظروف صعبة وغير طبيعية والتي لم تؤسَس لجذب الإعلانات والترويج للمنتجات، وإنما استجابة لحاجة موضوعية في لحظة حرجة. كان الهجوم السياسي والإعلامي المضاد يُغطي الفضاء العام وفق خط إيديولوجي قائم على التشويش وقلب الحقائق بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ البشري. سُرقت كل المصطلحات النبيلة: الثورة- المقاومة- الشهادة- الحرية- الديمقراطية، وكل القيم المقدسة، في عملية منظمة قلّ نظيرها، فيما مُنحت للإرهابيين المستقدَمين من كل أصقاع الأرض تحت رعاية وإشراف أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية. بينما نُعت المقاومون والمناضلون الذين يدافعون عن أوطانهم وكرامتهم شعوبهم بكل التهم والألقاب القبيحة!! فمنذ متى يعد الذين يدمرون أوطانهم ويقتلون أبناء شعبهم ويوفرون للإمبريالية العالمية والصهيونية وأتباعهما، المظلة الإعلامية والسياسية؛ بل والشرعية الدينية، ثوريين ومقاومين ودعاة حرية وديمقراطية؟!

كادت المصطلحات العظيمة التي خاضت تحت رايتها معظم شعوب العالم حروب الاستقلال والتحرر الوطني أن تتحول إلى سلع تباع وتشرى في سوق الإمبريالية والصهيونية، إنه لشيء مخجل ومخيف حقًا. ولم تكن الساحة العربية خالية من الإعلام المقاوم خصوصًا المقروء منه والذي سبق الميادين بعقود طويلة، كما هو معروف وكان له دوره وتأثيره وما زال، إنما الحديث يدور حول الإعلام المرئي الذي ينقل الأحداث بالصوت والصورة؛ حيث يتابع الملايين من المشاهدين ما يجري عبر الشاشات وليس عبر صفحات الجرائد على أهميتها وضرورتها. لقد سيطر الإعلام المُضلِل الذي يقدم المعلومات المغلوطة والمشاهد المفبركة والمختلقة والتعليقات المبرمجة ويروّج للخيارات المدمرة ويسوّق القتل والكراهية والتقسيم في محاولة جادة لإعادة الأقطار المتحررة إلى حظيرة الاستعمار من جديد. فيما كانت المقاومة على الأرض صامدة صمودًا أسطوريًا وتقدم البطولات والتضحيات دون غطاء إعلامي وصوتها السياسي خافت تحت أكوام الأكاذيب وحملات التضليل التي بلغت منتهاها. وكانت انتصاراتها تطمس وبطولاتها تُدفن وتصريحاتها تُشوه وتُحرَّف ويتم اجتزاء كل شيء وإخراجه من سياقه وتوظيفه بالاتجاهات التي تعزز النعرات الطائفية والمذهبية لحرف الأنظار عن طبيعة الصراع وأدوار أطرافه ولتسهيل مهمة الاختراق، بحيث تغيب المقاييس الوطنية التي تحكم كل موقف.

إن سلاح الإعلام ذو فاعلية خطيرة في عصرنا الراهن، وإذا كان يعد في الماضي السلطة الرابعة فقد تخطى ذلك إلى مديات أبعد وأوسع، وحيث الجماهير توّاقة إلى التغيير بحكم واقع البؤس والحرمان، فقد كان من السهل جدًا خداعها ودغدغة مشاعرها وعواطفها بالشعارات الرنانة، وإذا ما استعدنا تلك المرحلة وخطابها الإعلامي والشعارات التي يروج لها والانتصارات التي يبشر بها، تبرز أمامنا حقيقتان: الحقيقة الأولى: حالات اليأس والإحباط لدى قطاع وطني واعٍ ومدرك لطبيعة ما يجري بأشكال متفاوتة. والحقيقة الثانية: نشوء حالة هستيرية منفلتة بلا وازعٍ أو ضمير وطني أو أخلاقي تفتك بكل اليقينيات والثوابت. هنا تبرز قيمة وأهمية الإعلام المقاوِم وفي مقدمته قناة الميادين، التي أعادت التوازن للحالة الإعلامية العربية والإقليمية وأطلت على الجماهير العربية والإسلامية والعالمية بلسان عربي مبين، ولم تمض أيام معدودة على ولادتها، إلا وأصبح للمقاومة الوطنية صوت يصدح بأفعالها ويدافع عن مشروعيتها ويغطي أمجادها وبطولاتها بمهنية أخلاقية ووطنية عالية، ويعري- في الوقت نفسه- طبيعة المشروع المعادي وأهدافه وغاياته.

طبعًا لا يمكن حصر الإعلام المقاوم في قناة الميادين وحسب، لكن يمكن اعتبارها طليعته الأكثر تأثيرًا. ومعلوم أن الحروب الإعلامية لا تقل عن الحروب العسكرية، لذا شكّلت الميادين منذ البداية صوتًا ومنبرًا لكل المقاومين، ولم تكن وسيلة نقل أخبار فقط؛ بل حاملة رسالة حضارية مقاومة ومستنيرة. لقد شقت الميادين طريقها بمصداقيتها ومواقفها الواضحة؛ حيث أخذت على عاتقها التصدي للعدو الإمبريالي والصهيوني وكانت فلسطين بوصلتها كما هي بوصلة كل الشرفاء والأحرار في العالم. وتمتلك الميادين نظرة واضحة لطبيعة الصراع على المستوى القومي والعالمي؛ حيث مدت جسور التعاون مع وسائل إعلامية ثورية في أمريكا اللاتينية في سابقة تستحق الثناء. وفي هذه اللحظة تحديدًا، يعد جمهور المقاومة هو الأكثر استقرارًا فكريًا وسياسيًا ونفسيًا، ولم تلوث مواقفه وخطابه وخططه بألوان الحياد الكاذبة؛ فالذين تعرضت أوطانهم للاحتلال لا يمكنهم الوقوف على الحياد.

إنَّ مقاومة المستعمرين والغزاة مشروعة كفلتها كافة الأعراف المواثيق الدولية وحقوق الإنسان، وقد أثمر التفاعل والتناغم بين المقاومة العسكرية والإعلامية نتائج مبشرة بنصر تاريخي قادم، وقد قدمت الميادين منذ انطلاقتها نموذجًا للإعلام الملتزم بقضاياه الوطنية والقومية. وبهذا المعنى فهي مشروع كبير تنويري ثقافي إعلامي مقاوم..

وفي ذكراها العاشرة، كل التمنيات لقناة الميادين بالاستمرار والعطاء والثبات، ولكل طواقمها وكوادرها الإدارية والإعلامية والفنية المزيد من التقدم، ولهم كلٌ باسمه التحية والتقدير والاحترام على الصمود والإخلاص لقضية الحرية والسيادة، وعاشت الميادين منبرًا حرًا مُقاوِمًا.