فارس "الأحافير"

 

عائض الأحمد

في زمن قديم جدًا، عُثر على لوحة جدارية موقعة باسم فارس كما يقولون، ولكنه مجهول مات منذ زمن طويل يستحضره العامة وكأنه منقذ، فكلما ضاقت بهم هَمَّ أحد القوم مستذكرا "رحم الله ذاك الرجل" وهو لا يكاد يجد شيئًا غير تلك الرسوم المحفورة على صخرة صماء كعلمهم بمن هو هذا المجهول.

عندما تعجز عن صنع قدوة تجنح نحو الخرافات وتستدعي نفسك ما عجزت عنه وكأنها تقول لك ليتني كنت كما كانوا حتى لو جمعت "هراء" وأساطير الأولين. والدراسات المتقدمة في علم الاجتماع وسبر غور المجتمعات تتساءل لماذا؟ ألم تجد في كل من حولك ما يستدعي أن تقتدي به أم تعتقد أنه ينافسك الآن ومن غير اللائق لك أن تذكر محاسنه، خوفًا وجزعًا من لوحتك الجدارية القادمة بعد عمر؟ وماذا سيحفر فيها القوم من مجهول عاش ومات دون أن يأتي أحد على تلاوة أفعاله.

تذكرت حضارات أقوام اندثرت وتوارت ولم يعد غير شواهد يتغنوا بها، حينما نأتي على إنجازات الحاضر وتطلعات مستقبل الأيام، وليس من ضمنها شق الأخاديد ونشر الأحاديث عن أحافير بقايا حيواناتهم الأليفة في غابر الزمان ولن تعني أحد فوائد أكل الديك الرومي  مسلوقاً كما يفعل من خلى قبلنا، حتى لو كان "الملا" حسن قائما على ذلك.

الضعف يجلب الحيلة ثم ترتكب الخطايا، وتسفه الأفكار ويتعاطى ثلة الثلة انقلاب المجتمعات على بعضها، انتصارات أوهام كامنة استترت وتدثرت برداء لم تملكه، وحينما اعتقدت بأن الوقت هيئ لها ساقت كل أنواع غثها، ومن جابهها بعقل أو حكمة أسقطته بعلو صوتها ومنابر "رادحيها"، مستصغرة ضررها، غير مدركة طغيان غباء التمرد على نهج المجتمع وقيمه التي سار عليها، دون المساس بمعتقد أو السخرية من عادات، ليس بها شيء يدعو للنقد غير قدمها وتناقلها عبر الأجيال، مع الأخذ بتراث يحكي وليس بالضرورة أن تلزم به أحداً، فقط تحترم من سار وتوقف ومن وصل وتواصل، فالأمر سيان نقصه ككماله، فالصواب عندك يقتضي مصلحة خاصة، والخطأ ترفضه مصالح عامة، بنظر فئة تعني ما تقول ثم تفعله.

ختاما:

المجتمعات الرعوية تستحضر القائد ليدلها على مصادر العيش.

ومضة:

لم يكن سابق عصره حينما حل الظلام.

يقول الأحمد:

يبيع الماء تحت المطر، ويسقي زرعه في يومٍ عاصفٍ!