شيطانة في هيئة ملائكية

 

عائشة السريحية

هادئة تنساب كانسياب جداول الماء، فاتنة أبهرت العالم بحُسنها، مُمتعة تنسيك عقارب الساعة، خاطفة لا يُمكن لعقلك مقاومتها، لكنها شرسة تعمل بروية وتنتظر الحصاد، إنها حرب بدون أسلحة خفيفة أو ثقيلة، ولا ترسانة نووية، حرب بكل المقاييس أدواتها مُغرية تنتشل الجميع بلا هوادة، إنها الثورة الناعمة.

منذ انتشار وسائل التواصل الإلكترونية؛ سواء تلك الحاصلة على أكثر شهرة أو تلك التي تستخدم كبدائل في حال منع أحدها، ومنذ إنشاء شركات عالمية ضخمة وتقديم كل ما هو ممتع ومسل للعالم، فإن الانفتاح الذي نشهده ويشهده الجيل الحالي يختلف كليًا عن ما تلقته الأجيال السابقة، تلك الأدوات هي محطات لتسريب الأفكار لجعل كل ما هو ممنوع مباح، وكل ماهو مرفوض مقبول، وكل ما هو مخالف مشروع.

هل هناك أجندة لذلك؟

طرحت هذا السؤال على نفسي وبدأت رحلة التدقيق والبحث، وجمع الملاحظات ووجدت روابط مشتركة بين أهداف تحمل ذات المغزى ولكنها موزعة بالحصص على مختلف الصناعات الإلكترونية في عالم الإنترنت وبحسب الغرض والهدف المخطط له.

إنَّ التدخل في الشؤون السياسية للبلدان من خلال  تصدير الأفكار أو خلق الفتن أو صنع ثورات أو نبش قضايا منسية أو فتح ملفات قديمة، حول هذا العالم بهدف إثارة الفوضى وعدم الاستقرار، هو أمر شائع الحدوث والتكرار في وسائل التواصل الاجتماعي، فاستتباب الأمن والأمان يعني أن صفقات شراء الأسلحة ستتوقف، ويعني أن تجارة غسيل الأموال ستتأثر ويعني أن عقد الصفقات بغرض الدعم سيقل، وأن الأسواق السوداء ستعاني أيضا، وتجارة المخدرات ستحد من تحركاتها، واستمرارية الدفع مقابل الحماية سيشوبها الضرر، لذلك فالأوضاع الآمنة كلياً هي مقلقة لكثير من الجهات، والأطراف، لكن كيف للجهات والأطراف المستفيدة من الفوضى، أن تدخل لبيئة آمنة ومستقرة؟

المسألة لا تحتاج سوى لسيناريو جيد وقابل للتطبيق، على سبيل المثال: هل هناك طائفية في البلد؟

الإجابة: نعم هناك عدة طوائف دينية لكنهم يتعايشون مع بعضهم بسلام.

الهدف: خلق حرب مُستعرة وقلاقل أمنية، وإشغال الحكومات بواقعها المُقلق.

الخطة: اختلق شيئاً وأجج الصراع الطائفي، انشر أي شيء سواء كان مقطع فيديو أو خبرًا وهميًا أو حتى جدليًا، أي شيء يُعطينا خط البداية للانطلاق، وتحدث عنه في وسائل التواصل، ثم حرِّك الجيوش الوهمية للتفاعل مع الخبر، اجعلهم يسبون بعضهم، وزد من وتيرة الخلاف، اجعلهم يبدأون في الطعن والاعتداء وتأجيج المشاعر، ضع معرفات لها دلالات طائفية، اشعل وسائل التواصل الاجتماعي بالردود.

النتيجة: تدفق المستخدمين الحقيقيين الذين استثيرت مشاعرهم ودخولهم في المعمعة، وإسقاطهم في الفخ، وزرع بذرة الكراهية، وتغذيتها بين حين وآخر، حتى تسفك أول قطرة دم، وقس على ذلك الخلافات المذهبية، والانتماءات السياسية، والانتماءات الجهوية، والاختلافات العرقية.

ولنبحث عن هدف آخر بعيدا عن ذات التوجه لكنه يشترك معه في النتائج، الجهة المخططة تسأل: هل مجتمعهم مُحافظ؟ الإجابة: نعم ومتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم. الهدف: تدمير الثوابت وإحلال المال كرمز للسعادة الشخصية له الولاء والانتماء.

الخطة: اترك شيبتهم وعجائزهم، فلن تستطيع التأثير عليهم، وعليك أن تضع أطفالهم وشبابهم أمام طاولات الإغراء، أصنع نماذج فاسدة، اغرهم بالمال، اجعل هذه النماذج مدافعة عن الحُريات اجعل الشذوذ رمزًا للحرية والانفتاح، اجعل الفتيات يتعرين، يعرضن أجسادهن بملابس قصيرة بدعوى الحرية، اجعل المجاهرة بالمعاصي حرية شخصية، أقحم أطفال المشاهير في مثل هذه البرامج أيضًا بدعوى الحرية، أعطِ المال قداسة وأهمية تفوق الأخلاق والمبادئ، واجعل كل شيء قابلا للبيع والشراء، مع تمييع الأجيال لنقض أساسيات الأسرة، والبناء الصحيح لها، وجعل العلاقات بين الطرفين مجرد وسيلة لإشباع الرغبات دون هدف أساسي لبناء نواة المجتمع وخصوصا في البيئات المحافظة، انشر المخدرات بينهم واستعبدهم بها، ومن يرفضها أخلق له مغريات أخرى وما أكثرها.

النتيجة: تدمير الأسرة الصحية، انتشار العلاقات الشاذة والمثلية، التحرش والاعتداء على الأطفال شيئا عاديا، فيصبح الانتماء والولاء للمال وليس للثوابت، هيمنة المخدرات بشتى أنواعها تصبح رفاهية، ثم يأتي جيل قد أفسد معظمه يقبل أن يضع أي شيء على طاولات المزاد، في سبيل الحصول على المال.

أدوات الخلطة السحرية للتدمير الذاتي:

أولًا: شركات الإنتاج الفني والسينمائي، وضعت منصة هدفها ربحي بالأصل موجهة ومخطط لها، تقدم أعمالًا بجودة وتقنية عالية؛ بل وتغريك بسعر الاشتراك المنخفض التكلفة، وتقدم لك شتى العروض، تستهدف الفئة العمرية بين 13 إلى 25 عامًا، يدسون السم مغلفًا بالمتعة والتشويق والإثارة، يتعاملون مع العقل الباطن، ليغيِّروك دون أن تشعر.

ثانيًا: شركات صناعة المشاهير المبرمجين، تحويل شخصيات عادية وبسيطة، غادروا بلدانهم العربية مثلًا، لأثرياء تبدو عليهم مظاهر البذخ والثراء الفاحش، يتصرفون بشكل ينافي عادات وأخلاقيات بلدانهم، ويتابعهم الملايين من الشباب، وقد يرون في مثل هذه النماذج الحلم، فيسعون بكل الطرق لأن يصبحوا نجومًا تمامًا كما فعل هؤلاء؛ بل إنه وللأسف الشديد بسبب الغزو الفكري للشباب والفتيات، نرى نماذج فرت من عائلاتها ولجأت لمنظمات إنسانية لنجدهم بعد فترة قد انحرفوا وأصبحوا عبيدا للجنس والمخدرات.

ثالثًا: الفنانون؛ سواء نجوم الغناء أو التمثيل وغيره؛ حيث يعد الفنان أيقونة يشاهدها الملايين ويهتمون لحديثه وأكله وملبسه، فهو إعلان متحرك، فنجد بعضهم نماذج سيئة جدًا لدرجة تجعلنا نشعر بالحرج، ومع ذلك يظلون محط الجدل والإثارة، ويظل تأثيرهم قائما طالما عدسات الكاميرات تلاحقهم.

رابعًا: منح الجوائز العالمية والتكريمات (فنية أو أدبية) لغير مستحقيها أو لمن هم أقل مستوى، لإبراز شخصيات أو أفكار أو آراء لا تتناسب مع المعتقدات الدينية ولا الثوابت المجتمعية لتحقيق أكبر قدر من النشر والاستفادة من ذلك لتوجهاتهم، ولنشر ما يفيد مخططاتهم.

إنَّ الثورة الناعمة تزحف من تحت أقدامنا بأذرع وجذور لن نستطيع اقتلاعها، فستعلن انتصارها لحظة تعثرنا وسقوطنا في الفخ.