صبحي مجاهد **
قد يتعجب القارئ من عنوان المقال، فكثيرون كتبوا عن مولد الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم منذ مئات السنين، فأوردوا تفاصيل بشارات مولده وما حدث عند ولادته صلى الله عليه وسلم، في مؤلفات وكتب زخرت بها المكتبة الإسلامية، ولذلك سيتساءل البعض ما الذي لم يكتب عن ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم؟!
هل هناك من أخفى شيئًا من أحداث مولد النبي صلى الله عليه وسلم؟ وإذا كان أخفاه فكيف نحصل عليه بعد مضي أكثر من 14 قرنًا على مولده الشريف؟
وحتى لا أطيل على القارئ، وأنهي تلك الحيرة من هذا العنوان، أجيبُ بكلمات بسيطة تكشف أنَّ ما لم يُكتب عن مولد النبي صلى الله عليه وسلم؛ هو الأثر الذي تركه مولده الشريف في روح وقلب كل منَّا، وهو ما لم يطّلع عليه كاتب أو عالم، ففي قلب كل منَّا حبٌ مختلفٌ لميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى قدر الحب تمتلئ الروح بكلمات وعبارات عن مولد الهادي البشير، ويظهر معه حنينٌ لذكراه العطرة، فتنطلق كلمات القلب على اللسان لتقول في مولده الشريف مالم تكتبه أقلام، أو يقله عالم، فمولد المصطفى من أعظم ما تفضل الله به علينا، ومن أوفر النعم التي تجلى بها على هذه الأمة.
ويكفينا ما نسمعه من مقولات أهل الصلاح والعارفين بالله عند حديثهم عن مولده الشريف، ففي حب مولده نسمع كلمات تذيب القلوب لهذه الذكرى العطرة ومنها: هذا ربيعك يا محمد غرد فترى الوجود مغرِّدًا ومردِّدًا.. ما إن أطلَّ على الوجود ضياؤه حتى أنار العالمين إلى الهدى... ضاءت بك الدنيا وعشت ممجدًا.. وغبت عن الدنيا وما زلت سيِّدًا.. عليك سلام الله في كل خفقة.. فقد ماتت الأسماء إلا محمدًا.
إنَّ الوصال بذكرى مولده يدفعنا لأن نجعل لأنفسنا ميلادا جديدا نصحح فيه أعمالنا ونطهر فيه نفوسنا، وندرك معه ما غاب عنَّا من اقتداء بهدي النبي المصطفى.
وعلينا أن نشكر المولى على نعمته علينا بأن بعث لنا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ليهدينا ويعلمنا ويترك فينا حبا لا نعرف معناه إلا بذكره، فهو منة الله لنا حيث يقول تعالى: "لَقَدْ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ".
وكما قال عالمنا الجليل الأستاذ الدكتور أحمد عمر هاشم عن المولد النبوي الشريف، "إن الله منَّ به علينا وكانت نعمته فاقت سائر النعم"، كما إن الاحتفاء بخاتم الأنبياء والمرسلين ليس لكونه صلوات الله عليه وسلم منسي بيننا؛ بل هو منة من الله تبارك وتعالى.
وجب علينا لشكر المنة الإلهية أن نجعل من ذكرى مولده الشريف ميلادا جديدا في القرب من الله ويكون الاقتداء بهدي رسوله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم منهجا في حياتنا فنصلح ما أفسده حبنا للدنيا ومفاتنها في نفوسنا ونجعل محبة الله ورضوانه غاية مسيرتنا في هذه الحياة فتنصلح به علاقتنا وأهدافنا وتنزع الأطماع من نفوسنا.
فسلام عليك با حبيب الله يا سيد المرسلين من يوم مولدك إلى يوم الدين.. وسلام عليك سلامًا يرضى الله به عنَّا ويرضيه.. وسلامًا عليك يقربنا إليك ومن لقائك يوم الدين.. وسلام عليك سلامَ محبٍ مشتاقٍ إلى حبيبه.
** صحفي مصري وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة