تأهيل المقبلين على الزواج

 

صبحي مجاهد **

 

مع تزايد نسب الطلاق في بعض دولنا العربية، وفي مُقدمتها مصر، ظهرت محاولات مُتعددة لعلاج اتساع ظاهرة الطلاق والتي أصبحت شبحًا مرعبًا يُهدد استقرار المُجتمع؛ لذلك وجدنا برامج تقودها مؤسسات دينية كبرى في مقدمتها الأزهر الشريف لتأهيل المقبلين على الزواج لمنع حدوث مشاكل الانفصال والتي غالبا ما تحدث في السنوات الأولى للزواج.

تلك البرامج تجد نوعًا من التعجب لدى البعض الذي يعتبر الزواج علاقة مُقدسة بتعاليم إلهية وأن الفطرة الإنسانية الصحيحة تقتضي أن يحافظ على مسكنه وأهله وأبنائه، إلا أن الحقيقة الغائبة عند البعض أن تغييرات الحياة، وتسارع متطلباتها أدت إلى تغيرات مقابلة في طبيعة المتزوجين. ووسط هذا التغيرات، أصبحنا نجد نسب طلاق عالية في العديد من الدول، ومنها مصر التي تتصدر نسب الطلاق عالميًا، ويُقدّر مُعدّل الحالات فيها بـ250 حالة طلاق في اليوم الواحد؛ أي حدوث حالة طلاق كل 4 دقائق في مصر، من أصل 14 مليون قضية طلاق تشهدها المحاكم المصرية سنويًا.

وعند البحث عن الأسباب التي تؤدي لزيادة نسب الطلاق، وجدنا أن إفشاء أسرار المنزل وتدخل غير الزوجين في تفاصيل الحياة الزوجية من أسباب الانفصال والطلاق

بنسبة 44.6%، بحسب إحصائية مركز البحوث الاجتماعية، وذلك وفق ما أعلنته وحدة لمّ الشمل بالأزهر الشريف، التي أنشئت للحد من الطلاق منذ عام 2018. وأوضحت دراسة وحدة لم الشمل بالأزهر أن نسبة الطلاق تزيد في الأحياء الفقيرة، كما تزيد في المدينة عن الريف، وأن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلامي- وعلى رأسها موقع "فيسبوك"- ساهمت بشكل كبير في حالات الطلاق بنسبة تصل إلى 20% على الأقل وفقًا لبيانات من محاكم الأسرة، في مصر.

ولخطورة أمر الطلاق وأثره على مجتمعاتنا كان التفكير في كيفية المواجهة ضرورة حتمية، فأصبحت هناك اجتهادات على مسارات عديدة لتقليل حالات الطلاق، وكان من أحدثها دروات تدريبية لتأهيل المقبلين على الزواج وعقد الأزهر فيها دورتين حتى الآن بينما عقدت دار الإفتاء المصرية أكثر من دورة استهدفت إقامة العلاقة السليمة، والتعرف على المفاهيم الدينية، والمجتمعية، واكتساب مهارات التعامل بين الزوجين، وضوابط العلاقات الأسرية، وتراعي محاورها الأبعاد الدينية والنفسية والاجتماعية والطبية، حيث قام على إعدادها علماء متخصصون في هذه المجالات.

وتدور محاور الدورات حول مفهوم الأسرة وأهدافها، وسبل تكوينها بشكل سليم، ووجود الأسرة كضرورة دينية ومجتمعية، وشكل العلاقة الصحيح بين الرجل والمرأة الأجنبيين واقعيًّا وإلكترونيًّا، فضلًا عن ضوابط علاقة الرجل بالمرأة، والحب قبل الزواج، وأثر المشاعر على الاختيار، وأهم معايير اختيار شريك الحياة، وفن التعامل بين الزوجين، وكيفية إدارة الخلاف الأسري.

 

إنِّ توعية الشباب من الجنسين بأهمية الزواج، وقدسية كيان الأسرة من شأنه أن يحصن الزواج من مشكلات عديدة تؤدي في معظمها إلى الطلاق لاسيما في ظل غياب الوعي السليم لصحيح الدين، واكتساب الثقافة الدينية من مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض البرامج، والتي تستهدف جذب المشاهدين دون مراعاة أحوال وظروف الواقع المجتمعي. ومع كون تلك الدورات مهمة إلا أنه يبقى التأهيل التربوي الصحيح للشباب داخل الأسرة هو أساس إقامة علاقة زوجية سوية وقوية، وخلق أسر محصنة من مشكلات الطلاق التي تحدث بصورة زائدة عن حدها الطبيعي، كما ينبغي أن يكون هناك تنشئة تربوية داخل المؤسسات التعليمية ترسخ أهمية الأسرة في عقلية الأجيال، فينشأ مجتمع متماسك.

** صحفي مصري وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر

تعليق عبر الفيس بوك