جبر الخواطر

 

مدرين المكتومية

تخيل أن يصادفك يوم مليء بازدحام الوجوه، أن تكون في مكان مكتظ ببشر على اختلافهم، تخيل هذا الكم من الملامح والتقاسيم المختلفة، تخيل أن كل هؤلاء البشر الذين يحيطون بك ماهم إلا مجموعة من القصص المختلفة والحكايات المتعددة، وكأنك تقرأ مجموعة قصصية في ذات الزمان والمكان.

تنتابك الدهشة حين تمعن النظر إليهم، بشر يتحدثون بنفس الفكرة، وعن نفس القضية وربما يشغلهم نفس الأمر الذي يشغلك في المحيط الذي اجتمعت بهم فيه، لكن الحقيقة أن كل تلك الملامح متناقضة ولا يوجد أحد منهم يشبه الآخر أبدا حتى وإن كان بين البعض منهم قواسم مشتركة.

تخيل فقط للحظة وأنت في ذلك المكان الذي يمكن أن نتصوره (مستشفى) على سبيل المثال، شخص يختار زاوية بعيدة يتوارى بها عن الأنظار، خوفا من أن يرى أحد ملامحه التي شوهها حادث سير، وظل يهرب من عيون البشر التي لاتكف عن التربص به، يهرب من كل تلك النظرات المليئة بالأسئلة، فتذهب إليه أنت دون شعور لتقول له: " صباح الخير، ممكن أجلس جنبك، لأني تعبت من نظرات الناس لي، والمكان جنبك أفضل، وأنت تبتسم في وجهه وتبدأ بفتح نقاش معه بعيداً عن ملامحه، تخيل كم سيكون سعيدا، وكم سيمتلئ قلبه بالطمأنينة، وكأنك المحطة الآمنة لشخص ظل يجري طوال حياته.

الحياة صعبة على الجميع، ولا يوجد أبدًا شخص يعيش حياة سعيدة بأكملها، لكن أكثرهم يفترض أنه سعيد دائمًا، ولأننا جميعاً لا يمكن لنا أن نتصور كم المعاناة التي تسكن الآخر القابع ربما أمامنا، علينا أن نكون لطيفين، متسامحين مع بعضنا البعض، علينا أن نتعلم كيف نجبر خواطر بعضنا، كيف لكلمة وفعل أن يكون لها الأثر على حياة أحدهم، وربما على مستقبله وتحديد مساره.

كيف لكلمة بسيطة أو فعل بسيط أن يصنع إنسانا آخر؟ كيف لها أن تعمل عمل السحر وترمم حطام داخله المبعثر؟ إننا بحاجة لأن نكون جبرًا لكسور الآخرين، أن نكون الضماد لجراحهم، أن نسعى جاهدين لأن نترك أثرا طيبا في نفوس الناس، وفي حياة من هم حولنا، لا يمكن لأي شخص أن يعيش بمعزل عن الآخر، ولا يجب علينا أن نترك أحدا في زحام الحياة وحيدا دون أن نلتفت لحزنه وكأن ألمه شيء يخصنا أيضا، من الظلم أن يكون هناك شخص بيننا يشعر بكم هائل من الأسى دون أن يشعر أن هناك من يربت على كتفه، ومن يأخذ بيده، من الظلم أن يحترق في مكانه دون أن يشعر أحد به، لذلك علينا أن نبذل قصارى جهدنا، ولا أقصد هنا القيام بأفعال فوق استطاعتنا، وإنما بما هو متاح بين أيدينا، سوى كانت كلمة أو فعلا.

أن يشعر الإنسان أنه لا يهون أمر ليس ببسيط، فكيف لو أننا استطعنا فعلا أن نكون الجبر لمن هم حولنا، أن نشعر كل من نلتقيه أنه شخص مهم، وكل عامل بسيط بأن ما يقدمه شيء لا يقدر بثمن، وأن نكون ممتنين لكل من نصادفهم في طريق حياتنا لأن كل منهم لديه قصة صنعت منه ماهو عليه.

ومن هنا، دعونا نتعامل دائمًا "بجبر الخواطر"، فإن الجبر عظيم لدى الله، وهو الشيء الوحيد الذي يصنع من الحياة حياةً هانئة، والذي يستحقه الآخر منا، ونستحقه نحن أيضًا من الآخرين.

الأكثر قراءة