لا حرج "كشكش وعنعن وشنشن"!

 

 

عائشة بنت أحمد بن سويدان البلوشية

 

تتميز سلطنة عمان بجمال فريد في كل جنباتها، فهي غنية بطبيعة خلابة تختلف من محافظة إلى أخرى، بل من ولاية إلى أخرى، طبيعة تغري الباحث وتلهم الشاعر وتثري الأديب وتغني الفنان، ويعتبر جانب اللغة العربية ولهجاتها من أغزر ما يمكن أن يكون ميدانا متنوعا للغوي والمتأمل؛ حيث تنتشر اللهجات العمانية في الشمال والجنوب، يتحدثها قرابة 3 ملايين شخص، تعتبر هذه اللهجات خليطا من العربية الفصحى والبدوية، بينما تعتبر محافظات الظاهرة وظفار ومسندم استثناء حيث تنتشر اللهجة البدوية في الأولى، واللغتين المهرية والشحرية في الثانية، واللغتين الكمزارية والشحية في الثالثة، وما أروع هذا التمايز الثقافي الثري.

وفي هذه السطور لا أتحدى اللغويين أو النحاة ولكنني أعرج على الموضوع من باب التأكيد على فصاحة اللسان العُماني أينما كان على هذا التراب الغالي، حيث استرعى انتباهي تقلب البعض بين لهجته الأصيلة إلى ليّ ألسنتهم بلهجة تختلف عن لهجتهم الأم، خجلًا ربما! واعتقادًا منهم بأن لهجتهم الأم لا تمت للتحضر والتطور بصلة، وهنا لا أعني المتحدثين بألسنة أخرى غير العربية فهؤلاء ميدان آخر.

يؤكد علماء اللغة أن اللهجات الموجودة في يومنا هذا تأتي منحدرة من اللغة العربية الفصحى، فمثلًا "الشنشنة" ظاهرة لغوية قديمة، وهي إبدال كاف المخاطبة بالشين في المؤنث مثل (كيف حالش؟)، أو إضافة الشين بعد كاف المخاطبة، التي تعرف بـ"الكشكة" يبدل الكاف بحرف (يكتب «چ» أو «تش»)، وهي ظاهرة تعود إلى قبيلتي مضر وربيعة، وهي شائعة في اللغات العربية الجنوبية القديمة واللغات السامية الجنوبية مثل الأمهرية.

أما "العجعجة" فهي ظاهرة قديمة تنسب إلى قضاعة وهي إبدال الياء المشددة أو الساكنة جيمًا، فيقال "العَشِيّ العَشِجّ"، وقد سهل إبدال الياء بالجيم اتحادهما في المخرج وهو الغار، والفارق بينهما أن الجيم انفجاري احتكاكي والياء لينة، لذا نجد عكس هذه الظاهرة وهو إبدال الجيم ياء فيقال "شيرة" بدل "شجرة"، وتعرف هذه الظاهرة بـ"اليأيأة"، وتنتشر هذه في الجزيرة العربية بكثرة.

أما الجيم المثلثة (چ) أو الچاء أحد الحروف المضافة للأبجدية العربية، ولا يوجد الحرف في اللغة العربية الفصحى، إلا أنه يستعمل في العراق ومصر وبعض لهجات الخليج، وقد ترمز أيضًا إلى الجيم غير المعطشة أو الجيم القاهرية.

أما "العنعنة" فهي ظاهرة لدى بعض القبائل القديمة كتميم وبني أسد وغيرهما، وهي كما يعرّفها ابن فارس: "فقلبهم الهمزة في بعض كلامهم عيناً. يقولون: "عربعة وعربعين" يريدون "أَربعة وأربعين"؛ أما "التلتلة" فهي كسر حرف المضارع في أول الفعل مثل "نكتب"، التي تنتشر في جميع الدول العربية تقريبا، وهي أساسا لغة قبائل أسد وتميم وربيعة.

لذا إلى أولئك الذين يقفزون بالتحدث بالجيم المعطشة وكاف المخاطبة للأنثى، متقمصين شخصية -في نظرهم- متحضرة، لا تخجلوا فلهجاتكم تأتي من عمق حضارة تأريخية تسابق الشعراء منذ الجاهلية في نظم قصائدهم بها، كما أنها تفرد يميزكم بين الولايات الأخرى، فجميع اللهجات العمانية وفي جزيرة العرب درر في عقد اللغة العربية الفصحى.

------------------------------------------------------

توقيع:

أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ،

فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي.

فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني،

وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي.

فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني،

أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي

حافظ إبراهيم.