موسم الصرب

 

فاطمة هبيس الكثيرية

الطبيعة مصدر للراحة النفسية؛ لذلك جلست في استراحة استرد بها أنفاسي بين أحضان الطبيعة بعد الوعكة الصحية التي مررت بها مؤخرا.. كانت أحضان دربات كأحضان الأم الحانية على أطفالها شعرت أنَّ كل شيء هناك يربت على كتفي يُواسيني كل شيء سيمضي بسلام أنت أقوى كقوة هذه الجبال هل نسيت أنك ابنة هذه الأرض الطيبة تنفست الصعداء.

ثم أخذت أجول ببصري حولي استطلع المكان.. انقشع الضباب وأخذت أحدث نفسي.. إنه موسم الصرب كل المواسم في بلادي جميلة كل موسم له شذى خاص به.

هذا الموسم المسمى محليًا بـ"الصرب"، يعني انقشاع الضباب وظهور الجبل الأخضر الذي يمتد من الشرق إلى الغرب على طول امتداد محافظتي الرائعة ظفار بعد انتهاء موسم الخريف؛ فالماء مستمر في وادي دربات وشلالاتها تراها من على جسر طاقة. والأشجار الخضراء تتعانق أغصانها وتتمايل مع نسمات الهواء كأنها تهنئ بعضها بموسم الصرب فقد اشتاقت إلى خطى الإبل وصوت النانا.

هنا في بلادي كل شيء مختلف له نكهة خاصة. وقد لفت انتباهي تلك الشجرة المتكئة على جارتها، تأملتها طويلًا واضح أن السنين أرهقتها تيبست أوراقها انجرفت التربة عن جذورها.

تلك الشجرة ذكرتني بجدتي، تلك المرأة الصامدة في وجه الظروف التي تستمد شموخها من شموخ جبال ظفار الغالية. جدتي التي تزيد ابتسامتها الكون جمالا وبهاء وسعادة. رحمة الله تغشاك يا جدتي لقد كانت ثابتة كتلك الشجرة.

تلك الشجرة الوفية تشبه في وفائها وفاء تلك الجبال التي تنتمي إليها بل تذكرني بالجار في محافظة ظفار فكل جار مستعد ليكون سندا وعونا لجاره فهو لا يرضى الحزن لقلب جاره. تذكرت جارتنا أم أحمد التي تطبخ اللقيمات ثم توزعها على الجيران بالتناوب.

كانت لقيمات أم أحمد لها مذاق خاص ربما لأنها تصنعها بحب. رفعت رأسي قليلًا لأرى تلاحم الغيوم البيضاء مع قمة الجبل الأخضر في مشهد يعجز لساني عن وصفه.

بينما هناك يمامة تلعب على ضفاف وادي دربات والقوارب تتراقص على مياهها، بينما الأسماك الصغيرة تنتظر بعض الطعام من يدي طفل يقذفها نحوها وهو مبتسم، فراشتان تطيران بجوار بعضهما من زهرة إلى أخرى، وكانت بالمقابل الزهور البنفسجية تتراقص بنوع من الفخر، بينما الزهور الصفراء ثابتة في مكانها وكأنها تعاند زميلاتها البنفسجية.

تساءلتُ: هل يُعقل أن هذه الزهور تتفاخر أنها من ظفار؟!

إذن.. يحقُ لي التفاخر أكثر منك، فأنا شربتُ ماءها وأكلت من ثمارها والتحفتُ سماءها وافترشت أرضها.. كل قطرة من دمي تهتفُ باسمك ظفار أنتِ كنزي وشجوني وقبيلتي، أنتِ كُلي، أنتِ انتمائي وتفاخري، دونك الحياة عدم، فلا تحلو الحياة إلا على أرضك، ولا تهنأ النفس إلا تحت سمائك، أنت اطمئنان روحي.

رزق الله الجميع الأمن والأمان والعيش بسلام في أوطانهم.

تعليق عبر الفيس بوك