لكم منَّا جزيل الشكر

 

خليفة بن عبيد المشايخي

khalifaalmashayiki@gmail.com

 

تصاعدت الأنفس حينما ألم بها الخطب وشرعت تنظر إلى فسحة من الأمل تبدد أسارير الخوف والقلق بها، وتذهب بالهم والحسرات زرافات عنها بقدرة القادر رب الفلق، وحينما كان على شفا حفرة من الهلاك، خلا برب العزة والجلال فقال "ربي لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أو أكثر، وأغثني يا مغيث، فلا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين".

فجاءته بشرى السماء أن الله لا يخيب رجاءك، وسمع نداءك ودعاءك فأجابه، وشرح صدرك فأناره، وحرك من أجلك القلوب في اليابسة وبحاره، أفلا تعلم أن رب أشعث أغبر لو أقسم على الله تعالى لأبره وأجاره. هكذا هي الأنفس مخلوقة من ضعف، وهكذا نحن لا تستقيم حياتنا إلا بالتمسك بخالقنا الذي يسعد حينما نطرق بابه.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم: أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".

إنَّ اليقين على ذات الله بأنه هو الرازق والضار والنافع، يحتاج إلى تدريب عملي في بيئات إيمانية نسمع فيها دائمًا وأبدا قال الله تعالى وقال رسوله الكريم، فبعد ذلك سيعظم الله تعالى في نفوسنا، وسيخرج اليقين الفاسد على غير ذات الله، وسيحل محله يقين صادق مخلص مفاده إن أصابني ضر، أتوضأ وأقف بين يديه صاغرا وذليلا منكسرا، وأشكوه حزني وأرجوه رحمته.

كم هي المآسي التي تحل بنا ولسنا بقادرين على دفعها، وكم هي المصائب التي تحل بنا واعتقدنا معها إن تمسكنا بالمخلوق ومجدناه واستعنا به أولاً، سيحل مشاكلنا، وسيقضي حاجاتنا.

لقد دخل رجل في مسجد وفيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فصلى ثم انصرف، فقال سيد الأولين والآخرين للصحابة الكرام، أعرفتم هذا ماذا كان يسأل الله تعالى، فقالوا الله ورسوله أعلم، فقال لقد سأل الله تعالى الملح لبيته، أي أن الملح لم يكن موجودًا في بيته، فأول عمل قام به، توجه إلى الخالق جلَّ في علاه وطلب منه توفير الملح، ومن ثم أخذ بالأسباب.

إنَّ الذين يقدمون فإنما هو في ميزان حسناتهم، وإن الذين ينفقون فهو محفوظ لهم يجدون نتيجته وجزاءه في الدنيا قبل الآخرة، وكم من كريم ينفق آناء الليل وآناء النهار لا يعرف عنه أحد، وكم من معطٍ أعطى بذل وهوان وتجريح وأراد شهرة وسمعة.

فشتان بين هذا وذاك، وفرق بين من فعل وأراد الأجر، وبين من قدَّم ولم يسعفه يقينه في أن يكون عطاؤه خالصا لله تعالى.

يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوز ذلك"، وانقص منهن نومك وشغلك وعملك من غير ذكر الله، وكذلك انقص منهن أكلك وطعامك وشرابك، والعمر ما قبل التكليف، فكم بقي إذن، والذي بقي هل هو كان كله لله تعالى ولخدمة دينه.

سيدنا محمد قال "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها".

فشكرا لمن عمل من أجل ذاك اليوم وفرج عن الآخرين والمحتاجين ومن يطرق بابه ويلجأ إليه، مرات ومرات ومرات بدون ضجر وضيق وملل وتعب وسخرية وتنمر وشكوى بنية طلب الأجر والثواب.

شكرا لكل من وقف وقدم رائده في ذلك المولى عزوجل، فالله ندعو أن يحفظه ويسعده ويوفقه ويبارك فيه وفي ماله وأولاده وحياته، ويارب زده نعيمًا وراحة وسعادة ولا تنقصه.

تعليق عبر الفيس بوك