"راتبي لايكفي"!!

 

جابر حسين العماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

أصبحت المُجتمعات العربية والإسلامية تُعاني الكثير من الضغوطات الاقتصادية التي باتت ترهق الأسرة وأفرادها، وذلك بسبب سوء التخطيط المالي، وإهمال الأولويات، وعدم التركيز على ثقافة الادخار التي ينبغي التفاعل المجتمعي والأسري معها بل واتخاذها السلاح الأمثل لمواجهة الضغوطات المادية والحياتية بهدف إنعاش الأسرة والمجتمع اقتصاديًا.

اليوم.. ومع كل الأسف عندما تنتخب عينة من العاملين في القطاعات الخاصة والحكومية، وتسألهم عن رواتبهم الشهرية التي يتقاضونها من مواقع عملهم وهل هي كافية لسد احتياجاتهم الأسرية والاجتماعية إلى نهاية الشهر؟ ستجد الأغلبية يجيبونك بسرعة تفوق سرعة الضوء، الراتب لا يكفي لسد الاحتياجات الأسرية والاجتماعية. والأغرب من ذلك أن بعض أصحاب الدخل العالي في المجتمع اليوم يعانون من عدم كفاية الراتب الذي يتقاضونه لسداد احتياجاتهم. هذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عدم التخطيط والإسراف والتبذير الذي يجعلهم يصرفون رواتبهم فيما لا يستحق الصرف من أجله، بينما في المقابل هناك من رواتبهم أقل بكثير ولكنهم يستطيعون التحكم فيها وحفظها لمدة شهر كامل بل وادخار جزء منها.

وعلى الموظف أو العامل سواء في القطاعات الخاصة أو الحكومية أن يسأل نفسه دائماً كيف أحافظ على راتبي من التبخر والضياع؟ الإجابة على السؤال يجب أن تكون في نقاط مهمة للغاية والتي من خلالها يستطيع كل من الموظف والعامل الحفاظ على راتبه والاستفادة منه بالشكل اللائق والأمثل وهي كالآتي:

أولًا: لا بُد من الإيمان المُطلق بسياسة حسن الادخار، وذلك من خلال توفير الصندوق الأسري الاحتياطي؛ فالاحتياط طريق النجاة كما قيل قديماً وهذا يعني توفير مبلغ من المال شهريًا، بعد سداد المستلزمات والمتطلبات التي تحتاجها الأسرة، وذلك بعد الحصول على الراتب الشهري وتوفير جزء منه وحفظه في الصندوق الاحتياطي وعدم صرف ذلك إلا في أوقات العسر والحاجة لضمان حياة أفضل بعيدًا عن متاهات الديون وويلاتها ومتاعبها.

ثانيًا: الالتزام بسياسة عدم الإسراف والاعتراف بأن الإسراف أمر حرمته الشرائع السماوية ويجب تركه وعدم القيام به، والتركيز فقط على شراء الأولويات التي تحتاجها الأسرة وأفرادها قال تعالى "إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" (الإسراء: 27). وقال الإمام جعفر الصادق: "رب فقير هو أسرف من الغني، إن الغني ينفق مما أوتي، والفقير ينفق من غير ما أوتي".

ثالثًا: جميل جدًا أن يضع الإنسان خطة شرائية، من خلالها يقوم بشراء المستلزمات المطلوبة والتي هي في محل الحاجة فقط، وذلك بحسب التقدير والتدبير في المشتريات من حيث الأولوية، وكما قال الآباء والأجداد "مد رجلك على قد لحافك"، وروي عن الإمام الصادق: "التقدير نصف العيش"؛ فهي سياسة رائعة تهتم ببناء ثقافة الترشيد الأسري، وعلى الإنسان أن يفكر دائماً كيف يقسم راتبه بحسب احتياجاته الأسرية والأساسية فقط لاغير، وتدوين ذلك في ورقة كقائمة أسرية مهمة يرجع إليها في كل شهر ثم يصرف ما قام بتدوينه لا غير.

رابعًا: أخرج من راتبك صدقة للفقراء تُطهِّر بها نفسك ومالك؛ فالصدقة تزيد في الرزق وتجعل المال مباركًا وتضاعفه وتدفع البلاء المبرم، يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: «الصدقة تدفع البلاء، وهي أنجح دواء، وتدفع القضاء وقد أبرم إبرامًا"، ويقول الإمام علي بن أبي طالب: "استنزلوا الرزق بالصدقة"، ويقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إنَّ الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدقوا يرحمكم الله"، ويقول الإمام الصادق "الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة".

خامسًا: وجوب القناعة والرضا؛ وذلك يعني أن يكون الإنسان قانعا بمارزقه الله ولوكان ذلك يسيرا قال الإمام علي بن أبي طالب: "طلبت الغنى، فما وجدت إلا بالقناعة، عليكم بالقناعة تستغنوا".

وإضافة إلى ما تعرضنا إليه أعلاه، فلابُد أن يعلم كل من العامل والموظف أن هناك أولويات أسرية يتعين مراعاتها أثناء تقسيم وصرف الراتب الشهري على الأسرة، مثل الاهتمام بالضروريات وهي الصرف على العناصر المهمة في الأسرة كالمأكل والمشرب والملبس، وبعدها تأتي الكماليات وهي التي تجعل من حياة الإنسان أكثر رفاهية ونعيمًا وبدونها يستطيع الإنسان العيش بكرامة، ومن الجيد الصرف على الكماليات في حال كان الإنسان قادرًا على توفيرها بعد توفير الضروريات.