"قمة مسقط" وطموحات الأمة

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

تتجه الأنظار اليوم إلى الغبيراء التي تحتضن عاصمتها مسقط قمّة تاريخية بين القيادتين العُمانية والإماراتية؛ حيث يحل سُّمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المُتحدة، ضيفًا عزيزًا على أخيه حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- في زيارة رسمية هي الأولى خارج دولة الإمارات منذ توليه مقاليد الرئاسة قبل عدة أشهر.

وتأتي هذه القمة المُهمة لتكتب فصلًا جديدًا من فصول العلاقات المُتميزة بين البلدين الشقيقين التي أرسى دعائمها المغفور لهما بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد والشيخ زايد بن سلطان آل نهيان خلال العقود الماضية، وهي مسيرة أزلية ربطت سلطنة عُمان بشقيقتها الإمارات على مر العصور. وقد استبشر الشعبان العماني والإماراتي خيرًا بنبأ الإعلان عن هذه الزيارة الميمونة لرئيس الدولة سُّمو الشيخ محمد بن زايد لعاصمة السلام مسقط على أمل أن تتكلل بالنجاح والطموحات لأبناء المجتمعين نحو فتح آفاق جديدة ورحبة وبناء شراكات استراتيجية في مختلف المجالات، ونقل هذه العلاقات الأخوية من التعاون إلى التكامل الأمني والاقتصادي لتحقيق الرفاهية والازدهار للبلدين الشقيقين.

لا شك أنَّ هناك الكثير من العوامل المشتركة التي تجمع ولا تُفرق؛ كالروابط الأسرية والعلاقات التاريخية بين الشعبين العُماني والإماراتي؛ فالجوار والتاريخ المشترك والتراث والدين والمصير الواحد، من أهم عناصر القوة والاتحاد والتماسك بين الأشقاء وجيران الجنب، لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة في هذه المرحلة التي تتعرض فيها الجزيرة العربية والخليج العربي لتوترات وفتن وحروب أهلية بين الإخوة في البلد الواحد، والتي بحق بحاجة لحكمة وحنكة الزعيمين جلالة السلطان والشيخ محمد بن زايد، وذلك لتجنيب دول المنطقة- التي تشهد نهضة تنموية غير مسبوقة- مزيدًا من الصراعات الإقليمية والحروب المدمرة التي تحرق الأخضر واليابس.

توقعاتنا كمتابعين ومراقبين للأوضاع المحلية والإقليمية تفرض حتمية حضور ملف اليمن في المحادثات الرسمية بين القائدين، على أمل أن يتم التوصل إلى توافق لتحقيق السلام الشامل في ربوع هذا البلد العربي الذي دمرته الخلافات والصراعات منذ أكثر من سبع سنوات؛ فأبناء اليمن يتطلعون إلى سماع ما يسرهم في ختام القمة من خلال البيان المشترك الذي عادة يصدر في زيارات الدولة.

لقد نجحت سلطنة عُمان عبر تاريخها الطويل في اكتساب سمعة وثقة كل الأطراف التي تتعامل معها، خاصة في حل الخلافات الدولية والإقليمية، وذلك نتيجة تراكمات وخبرات هذه الدولة وقيادتها الرشيدة التي تستمدها من تراثها الإمبراطوري العريق؛ إذ كانت عُمان لقرون طويلة إمبراطورية يمتد حكمها ونفوذها من ضفاف الخليج العربي شرقًا إلى شرق أفريقيا، خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي. والقيادة العُمانية تملك الكثير من مفاتيح الحكمة والحل والعقد لتحقيق السلام العادل وحل الخلافات في المنطقة العربية، وكذلك في الخليج العربي، فعندما تفصِل عُمان في أي قضية وتقول كلمتها فيها فالكل يسمع ويستجيب؛ بل ويثمن توجهاتها ومواقفها الحكيمة في هذا العالم المترامي الأطراف. وخير مثال على هذا الكلام التزام الأطراف اليمنية بالهدنة التي انطلقت في أبريل الماضي وصامدة إلى هذه اللحظة بجهود عُمانية صادقة لحقن دماء اليمنيين وتحقيق السلام العادل الذي يحقق أهداف الشعب اليمني من الشمال إلى الجنوب. لما لا وقد انتهجت السلطنة سياسة الأبواب المفتوحة والشفافية والصدق وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير، خاصة مع الدول الشقيقة في رسم حدودها مع جيرانها منذ سبعينيات القرن العشرين؛ فهي تنطلق في ذلك من قاعدة معروفة "لا ضرر ولا ضرار" فتجاوزت بذلك الخلافات الضيقة حول الحدود التي تفصل بين الأشقاء، فكانت البداية على المستوى العربي، توقيع اتفاقية الحدود مع المملكة العربية السعودية عام 1990، وقبل ذلك رسم الحدود البحرية مع إيران الجار الشرقي؛ إذ يقع واحدٌ من أهم الممرات البحرية في العالم وهو "مضيق هرمز"، ثم توالت هذه الاتفاقيات التي شملت كل من اليمن ودولة الإمارات العربية المتحدة، هذا فضلًا عن توقيع اتفاقيات للحدود البحرية مع كل من باكستان والهند خلال السنوات الماضية وتكتمل بذلك الاتفاقيات الحدودية مع جميع الدول المجاورة للسلطنة.

لا شك أن التكامل والتعاون بين البلدين الجارين، وصل إلى مستوى من التعاون والتنسيق في المجال الاقتصادي والتجارة البينية؛ حيث تُعد الإمارات الشريك التجاري الأول للسلطنة، وفي الترتيب الثالث بين الدول المستثمَرة في السلطنة بعد بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ بلغت الاستثمارات الإمارتية أكثر من مليارٍ و230 مليون ريال عماني في مطلع هذا العام 2022، بينما سجل التبادل التجاري بين عمان والإمارات في عام 2021 أكثر من 5 مليارات و500 مليون ريال عماني. أما الصادرات العمانية لأسواق دولة الإمارات، فقد بلغت العام الماضي مليارًا و300 مليون ريال عماني. وعلى الرغم من هذه النتائج والأرقام المشجعة، إلا أننا نتطلع إلى المزيد من النمو والتطور والانسيابية في العلاقات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات البينية والاستفادة من الموارد البشرية المدربة والمتمثلة في المهندسين والمحاسبين والإداريين العمانيين؛ وذلك لرفد القطاعات الإنتاجية في الإمارات بالخبرات العمانية بدلًا من الوافدين.

لقد كانت سلطنة عُمان وشقيقتها الإمارات العربية المتحدة أول دولتين من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعتمدان البطاقة الشخصية وثيقةً لتنقل مواطنيهما بدلًا من جوازات السفر منذ عام 1993، وهو ما تم الأخذ به وتعميمه في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية لاحقًا، من هنا فإن أبناء دول المجلس يتطلعون في هذه المرحلة إلى فتح الحدود بين دول المجلس بدون استخدام الهوية أو الجواز؛ بل اتباع النظام المعمول به والمعتمد في دول الاتحاد الأوروبي المعروفة بـ"تأشيرة شنغن"، والتي سمحت لسكانها بالتنقل دون قيود أو مراقبة حدودية، فإذا كانت هناك دواعٍ أمنية أو تهريب عبر الحدود، يمكن التنسيق بشأنها بين الأجهزة الأمنية في دول المجلس، فمن الحكمة أن ننظر للأمن الخليجي من منظور جماعي وليس فردي لكل دولة على حدة، فعمر مجلس التعاون لدول الخليج العربية تجاوز أكثر من أربعين سنة على انطلاقه من أبوظبي 1981، فهل ننتظر لسنوات قادمة للعبور بين الدول والتواصل بين الأسر الخليجية التي تعيش على طرفي الحدود وتنتظر ساعات طويلة في بعض المنافذ؟!

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري